كلمة أو عبارة بسيطة تخرج على لسان قائلها دون قصد، ولكنها قد تؤدي أحياناً إلى عواقب غير محمودة ولا يجد صاحبها أمامه سوى الاعتذار أو التبرير الذي قد يفيد وقد لا يفيد حسب حجم وخطورة "زلة اللسان" التي وقع بها، ويصبح الندم هو مصيره بعد أن انطلقت من فمه كالرصاصة، فكلامه لارجعة فيه وكما يقال في المثل الشائع: "زلة الرجل ولا زلة اللسان"، وتختلف عواقب زلة اللسان حسب عدة عوامل منها طبيعة الزلة، ووضع قائلها، وأيضاً سامعها ووقعها عليه، ومدى قدرته على التسامح والتغاضي عنها.
وتحكي ش. م مدرسة عن أحد المواقف الحرجة التي أوقعتها فيها زلة لسانها قائلة:
تعرضت لموقف حرج مع مديرة المدرسة التي أعمل بها وهي متشددة بعض الشيء حتى في أبسط الأشياء، وفي أثناء أحد اجتماعات كنا نتناقش حول بعض الأمور الداخلية بالمدرسة، وعندما تحدثت وأثناء كلامي ودون قصد اتهمتها قائلة حضرتك "حنبالية" وقد خرجت مني هذه الكلمة دون قصد وكأن ما بداخلي انطلق، حتى أنا نفسي فوجئت وانتبهت ولكن بعد أن خرجت الكلمة ووجدت كل الحاضرين يلتفتون لي، والمديرة تنظر لي مستنكرة، وكتدارك للأمر وجدتني أقول أكثر من مرّة "لم أقصد" ولكن الجو كان قد شحن وظللت صامته باقي الاجتماع، وبعدها استدعتني لمكتبها وعاتبتني وطبعا اعتذرت.
يروي ف. ا مدير مراجع شحن بشركة تيوبيا عن أحد زلاته قائلاً:
مررت بموقف تمنيت انشقاق الأرض وابتلاعي لأخرج من هذا الموقف الحرج الذي وضعت نفسي فيه بسب زلة لسان، فقد كنت في افتتاح أحد الأماكن التي قامت شركتنا بتجهيزها، وقبل حضوري كنت قد أخذت خلفية عن أنّ المدير المالي لهذه المنشأة متعب بعض الشيء في تسديد المطالبات المالية، وأثناء الحفل التقيته وتحدثنا وإذا بي خلال الحوار أقول له" حضرتك معروف عنك أنك جلدة" أي أنه بخيل، فوجدته وقد بهت، خاصة أننا لسنا أصدقاء والمجال بيننا لا يسمح بهذا التساهل في الحوار، فشعرت بالخجل الشديد ولم أدري ماذا أفعل، فاعتذرت منه وانصرفت وتعمدت أن لا أجعله يراني باقي الحفل.
وكما تحدث هفوات اللسان في مجال العمل، تحدث أيضاً في إطار العائلة أو الأسرة مع الزوجة أو الشقيق أو القريب أو حتى الصديق، وهذه يكون لها وقعاً مختلفاً لوجود الروابط العاطفية ومنطق العشم، فهل هذه الأشياء تكون شفيع للتغاضي عن زلة اللسان، أم أن خطأ المقربين أقسى والتغاضي عنه أصعب؟
تروي ه. ن ربة بيت عن أحد المواقف التي مرت بها قائلة:
كانت لي زلة لسان مع زوجة شقيقي لن أذكرها منعاً للحرج، ولكن يمكن أن أذكر نتيجته لأنّه تسبب في قطيعة لبيت أخي مستمرة منذ أكثر من عام، فأنا لا أستطيع زيارته في بيته، ولكنه هو يزورني أحياناً بمفرده طبعاً، فلقد قاطعتني زوجته من يومها ولم تنسى لي هفوة اللسان هذه التي لم أقصدها.
وزلة اللسان بين الأزواج لها أيضاً طبيعة خاصة لأنّها غالباً ما تثير الجدال الذي قد يؤدي إلى خلاف أو حتى مشاجرة زوجية، وزلة لسان م. ق مدير مالي تسببت في نسف نزهة نهاية الأسبوع ويقول:
عادة أصطحب زوجتي للخروج ليلة الخميس لأنّ "اليوم التالي إجازة ونستطيع أن نسهر بعض الشيء، وفي إحدى المرات كان قرارنا الذهاب لحضور فيلماً في السينما، وأثناء مشاهدة إحدى الممثلات أعجب زوجتي الفستان الذي ترتديه وعبرت لي عن هذا الإعجاب، فرددت بشكل عفوي أنه يحتاج للقوام الرشيق، واستفقت على نظرة اعتراضية منها وتساؤل هل يعني هذا أنها ليست رشيقة، والحقيقة أن وزنها زاد بعض الشيء بعد الزواج وأنا لم أصرح بهذا من قبل وأن كنت أريد، ولكنه خرج بشكل عفوي من خلال هذا التعليق ليفسد الليلة التي قضيت معظمها في التبريرات والتوضيحات وصولاً للاعتذار.
ي. ع فني كمبيوتر بشركة تيكنو فالي يروي كيف تسبب زلة لسان لم يعنيها في قطيعة بينه وبين أعز صديق قائلاً:
الحقيقة بعد هذا الموقف أصبحت أحرص كثيراً في كلامي مع الآخرين، بعد أن تسببت كلمة خرجت مني لصديق في أن أخسره، خاصة وأني فشلت في محو هذه الآثار من نفسه حتى الآن رغم محاولاتي، ولكني أقدر ردّ فعله خاصة أنّ الكلمة القاسية كانت مست أحداً من أسرته عزيزاً عليه، ولكنها خرجت مني عن دون قصد في لحظة انفعال ولم يغفرها لي، رغم أننا أصدقاء وكثيراً ما حدث بيننا في السابق أشياء مشابهة حدثت فيها زلات لسان، ولكني أدرك أن سبب غضبه الكبير أنّ الأمر مس أحد من أسرته، وأنا على يقين أنّ الأمر لو كان موجه له شخصياً لما كان غضبه بهذا الشكل، وكان سامحني بعدها، طبعاً أنا نادم لأنّ الأمور سارت هكذا وبسبب كلمة أخسر أعز صديق.
وعن تأثير زلة اللسان على الآخرين خاصة وأنها شيء غير مقصود يقول ن. ع مندوب مبيعات بشركة هانا بال الطبية:
في رأيي لا يجب أن نؤاخذ الآخرين عليها لأنها غير مقصودة، خاصة إذا كانت من شخص مقرب، يعني إذا زميل مثلاً أو صديق صدر منه زلة لسان يجب أن أمررها ولا أقف عندها كثيراً خاصة إذا أكد لي هو أنه لا يقصدها، أما إذا كان شخصاً غريباً فقد لا أتغاضى عنها وأعلق عليها وربما أخذ منه موقف.
ولكن ه. س طالبة لها وجهة نظر مخالفة بعض الشيء من جانب طبيعة الصلة بمن صدر عنه الهفوة فتقول:
بالنسبة لي تأثير زلة اللسان التي تعبر عن شعور سلبي يكون أقوى لأنها كلمات تخرج عفوية، وفي أغلب الأحيان تعبر عن حقيقة ما يدور بداخل الإنسان ولا يبوح به، وفي لحظة تخرج وتكشف عن كل ما بداخلهنّ فإذا كان شخصاً مقرباً سوف يكون وقعها عليه أقسى لأني أتوقع منه غير هذا، ولذلك فإنها قد تسبب مشكلة بيني وبينه إما بشكل صريح أو حتى نفسي، أما إذا كان شخصاً لا يعنيني في شيء فغالباً سوف أتغاضى عنها وأنساها.
وتوافقها الرأي خ .ا أخصائية تجميل، ولكنها تخالفها في أخرى قائلة:
صحيح أنّ الإساءة من الأشخاص المقربين تكون أصعب، ولكن في نفس الوقت إمكانية التسامح أكبر، فلو صديقتي أو أختي مثلاً صدر منهنّ زلة لسان في حقي سوف أتغاضى عنها حتى وإن ضايقتني، ولكن لأني أحبهم سوف أحاول أن أجد لهنّ المبررات لأسامحهنّ، كأن أقنع نفسي بأنّ الأمر غير مقصود أو أني سمعت غلط أو أي شيء، وفي النهاية ليس هناك أحد معصوم، فأنا نفسي أحياناً أقع في زلات لسان مع أقرب الناس.
وعندما تقع زلة اللسان من الطبيعي أن يبدأ صاحبها في البحث عن وسيلة لتداركها، ن. خ موظفة خدمة عملاء ببنك وجدت وسيلتين لتدارك زلاتها تقول عنهما:
عندما أقع في زلة لسان أبحث عن أي وسيلة للخروج من الموقف أحياناً بالاعتذار وأحياناً بالإنكار، لأن زلة اللسان من أكثر الأشياء إحراجاً، لأنها تحدث عفوياً دون أن أكون جاهزة لها، فأنا إذا قلت شيئاً عن قصد على الأقل أكون مهيئة، ولكن ما يخرج فجأة يكون محرجاً، ولا أدري كيف أتصرف وأشعر بحرج شديد وارتباك، وفي هذه الحالة حتى الاعتذار يكون محرجاً ولهذا إذا كانت هناك إمكانية للإنكار بصراحة سوف أنكر، كأن أقول أن من أمامي سمع خطأً مثلاً، فالخروج من الموقف يدفعني لفعل أي شيء يجنبني الحرج.
د. أمل الحليان اختصاصية الطب النفسي تشير إلى الناحية التحليلية اجتماعياً ونفسياً في زلة اللسان قائلة:
زلة اللسان رغم أنها من الناحية الأدبية والاجتماعية ينظر لها على أنها خطأ وهفوة تستدعي الشعور بالندم، إلا أنها من الناحية النفسية هي في حقيقة الأمر تعبير صادق عن مكنون النفس والمشاعر الحقيقية المخبئة أو المكبوتة لسبب أو لآخر سواء كان اجتماعياً أو عاطفياً أو حتى لمصلحة معينة تستدعي أن نخفي حقيقة مشاعرنا وآرائنا على من حولنا، ولكن في لحظة الانفعال يحدث خروج عن هذه السيطرة على المشاعر وتخرج الكلمات بشكل مندفع لتكشف عن كل ما في داخل النفس، لهذا يمكن أن نعتبر زلة اللسان أصدق ما يعبر عن الشعور الحقيقي، لأنّه لم يسبقها تفكير أو "تذويق" فخرجت خرجت كما يعنيها قائلها تماماً.
ولكن كيف نتجنب زلات اللسان وهل من طريقة نحصن بها أنفسنا من تبعاتها خاصة وأنّ المواقف التي تسبب الانفعال في الحياة أمر واقع لا ينتهي ،وتكون زلات اللسان وراء العديد من مواقف سوء الفهم وأحياناً القطيعة سواء بين الأزواج أو الأصدقاء أو حتى زملاء العمل، فمجرد لفظ جارح أو كلمة قاسية يمكن أن تفسد علاقة، ولكن ليس معنى هذا كبت المشاعر والانفعالات تجنباً لآثارها، لأن هذا سيكون له انعكاس سلبي على الصحة النفسية وهذا أخطر، فالمسائلة سلوكية نفسية يمكن إدارتها بالالتزام بآداب التعامل، ومن المهم تدريب النفس على تجنب الانفعال، خاصة وأن عثراته قد تكون زلة اللسان هي أبسطها، فكم من الفواجع تحدث في لحظات الانفعال وفقد التحكم، ومن الطرق التي تساعد أن نوقف الكلام إذا شعرنا أننا خرجنا عن شعورنا، لأنّه غالباً ما يخرج من أفواهنا في هذه اللحظات لن يكون لطيفاً، أما إذا حدث ونفذ الأمر وخرجت زلة اللسان بلا وعي فليس في الإمكان في هذه الحالة غير الاعتذار ومحاولة ترضية الطرف الآخر، وفي كل الأحوال الوقاية خيرٌ من العلاج، فلو أننا أحسنّا صياغة آرائنا بالشكل الذي يعبر عنّا بشكل متزن ومقبول سوف نتجنب كتم الكثير من الانفعالات المكبوتة التي تتحول إلى قنبلة موقوتة تنفجر في أي لحظة.
م/ن
دمتم بافضل حال