فعاليات متجدده وممتعه عبر صفحات منتدانا الغالي |
- القسـم الاسلامـي قلوب تخفق بذكر الله| منبعُ الإيمانِ فيَ محْرابُ النفوَسَ" | خاص بالمواضيع الإسلامية | فوائد دينية| احاديث واحكام | |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||||||||||||||||||||||||
|
||||||||||||||||||||||||||
حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا (5)
حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا (5)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل الحمد لله أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، وأنزل الكتب هدايةً للخلق أجمعين، فسبحانه من رب رحيم وإله عظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ نصب الأدلة على ربوبيته، وأقام الحجة على خلقه، وأعذر المكلفين من عباده، له الحكمة الباهرة في خلقه وتدبيره، وله الحجة البالغة في أمره ونهيه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أرسله بالبيِّنات، وأيده بالمعجزات، وأمده بجنده، وأظهره على أعدائه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ آمنوا به وعزروه ونصروه وآووه، وفدوه بأنفسهم وأولادهم وعشائرهم وأموالهم، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله - تعالى - والجؤوا إليه في كل عسير، ولوذوا به في كل عظيم؛ فإنه - جل جلاله - الكبير الذي لا يتعاظمه شيء؛ ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 29]. أيها الناس: من رحمة الله - تعالى - بالمكلفين أن دلَّهم على الطريق إليه، فأرسل الرسل مبشرين ومنذرين، وأوجب على العباد طاعتهم؛ فهم وسائط بين الله - تعالى - وبين عباده، يصدرون عنه ويتلقون وحيه ويبلغون رسالاته، ويوم القيامة يسألون عن بلاغهم، ويسأل العباد عن إجابتهم؛ ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ﴾ [المائدة: 109]، وفي الآية الأخرى: ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الأعراف: 6]. وستشهد أمة محمد - عليه الصلاة والسلام - على سائر الأمم أن الرسل بلغتها الرسالات، وهذا معنى كونهم شهداء على الناس؛ كما روى البخاري عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يُجاء بنوح يوم القيامة، فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم يا رب، فتسأل أمته: هل بلغكم؟ فيقولون ما جاءنا من نذير، فيقال: من شهودك؟ فيقول: محمد وأمته، فيجاء بكم فتشهدون، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143]، قَالَ عَدْلاً؛ ﴿ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾))، وفي رواية لأحمد وابن ماجة: ((يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان وأكثر من ذلك، فيدعى قومه، فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم، فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا)). والإيمان بالرسل وطاعتهم واتباع دينهم، والتزام شرائعهم هو الغاية من إرسالهم؛ كما قال الله - تعالى -: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [النساء: 64]، وما من نبي إلا قال لقومه: اتقوا الله وأطيعون. ولما كان محمد - صلى الله عليه وسلم - آخر الرسل وخاتمهم فلا نبي بعده، وجب على كل من بلغته دعوته أن يصدقها ويتبعه فيها، وإلا كان عدوًّا لله - تعالى - ولأنبيائه كلهم، وإن زعم أنه يؤمن ببعضهم، كما هو حال اليهود والنصارى بعد بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولذا سموا كفَّارًا في القرآن الكريم؛ لأنهم كفروا برسالته - عليه الصلاة والسلام - كما كفروا بما جاء به موسى وعيسى - عليهما السلام - من البشارة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فقُرنوا في القرآن مع المشركين، ووصفوا بأنهم شر الخليقة، وكانت النار مأواهم؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴾ [البينة: 6]، وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((والذي نَفْسُ محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأُمَّة؛ يهودي ولا نصراني ثم يمُوت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار))؛ رواه مسلم. وإنما كان اتباع الرسول واجبًا وطاعته فرضًا؛ لأنه لا ينطق عن الهوى ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 4]، فكل ما جاء به، فهو من عند الله - تعالى - وحيًا أوحاه إليه، أو فعلاً فعله، فأقرَّه الله - تعالى - عليه فكان وحيًا، ولما طلب المشركون من النبي - صلى الله عليه وسلم - تبديل القرآن، كان خطاب الله - تعالى – له: ﴿ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [يونس: 15]، وتكرر في القرآن كثيرًا التأكيد على أن ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - وحي من الله - تعالى -: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ ﴾ [الأنبياء: 45]، وفي الآية الأخرى: ﴿ وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي ﴾ [سبأ: 50]. وتضافرت الآيات الكريمات على إيجاب اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وطاعته، والتحذير من مخالفته، وجعل طاعته طاعة لله - تعالى - ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80]، ومبايعته مبايعة لله - تعالى - ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾ [الفتح: 10]، وقرن بين اسمه واسمه في المحبة؛ فقال - سبحانه -: ﴿ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [التوبة: 24]، وفى الطاعة؛ ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ ﴾ [النساء: 13]، وفي المعصية: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ ﴾ [الجن: 23]، وفي الرضا: ﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُأَحَقُّأَنْ يُرْضُوهُ ﴾، وفي الإيذاء: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [الأحزاب: 57]. قال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى -: "نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة وثلاثين موضعًا، ثم جعل يتلو: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]، وجعل يكررها ويقول: وما الفتنة؟ ثم يجيب فيقول: الكفر؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ [البقرة: 217]، فيدعون الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتغلبهم أهواؤهم إلى الرأي؛ لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ، فيزيغ قلبه فيهلكه". والأمر بطاعة الرسول في القرآن جاء في آيات كثيرة وبصيغ متنوعة، وعلى وجوه متعددة، فتارةً يقرن بين طاعة الله - سبحانه - وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأمر واحد وفعل واحد؛ ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ﴾ [آل عمران: 32]، وفي آية أخرى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [الأنفال: 20]، فعطف طاعة الرسول على طاعته، ولم يكرر الفعل؛ إعلامًا بأن طاعة الله - تعالى - لا تتحقق إلا بطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم. وتارةً أخرى يأمر الله - سبحانه - بطاعته وطاعة رسوله فيكرر الأمر والفعل؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59]، وفي المائدة: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ﴾ [المائدة: 92]، وفي النور: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ ﴾ [النور: 54]، وفي القتال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 33]، وكل هذه الآيات وأمثالها تدل على أن طاعة الرسول تجب استقلالاً، فلو أمر - عليه الصلاة والسلام - بأمر لا وجود له في القرآن، وجب طاعته فيه؛ لأن ما جاء به هو في منزلة ما جاء في القرآن من جهة الأمر والنهي ووجوب الأخذ به، كيف وهو القائل - عليه الصلاة والسلام -: ((ألا إني أوتيتُ الكتاب ومِثْله معه، ألا إني أوتيتُ القرآن ومِثْله معه، ألا يوشك رجلٌ ينثني شبْعَان على أَرِيكَتِهِ، يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلالٍ، فأحِلُّوه، وما وجدتُم فيه من حرامٍ فحرِّمُوه))؛ رواه أحمد وأبو داود. قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "فأمر - تعالى - بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل إعلامًا بأن طاعة الرسول تجب استقلالاً من غير عَرْض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقًا؛ سواء كان ما أمر به في الكتاب أولم يكن فيه؛ فإنه أوتي الكتاب ومثله معه".اهـ. ولا أدل على تقرير ذلك من أن الله - تعالى - أمر بطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -استقلالاً؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النور: 56]. وفي هذه الآيات ومثيلاتها ردٌّ على من استهان بسنته، فقدَّم عليها أقوال البشر، أو ردَّ شيئًا منها بدعوى عدم إشارة القرآن إليه؛ كما يقول ذلك من يقوله ممن تشرَّبوا الفتنة وقضوا بعقولهم القاصرة على السُّنة، فزاغوا فأزاغ الله - تعالى - قلوبهم. وتارةً ثالثةً يأمر الله - تعالى - باتباع نبيه - صلى الله عليه وسلم - والتأسِّي به، والأخذ عنه؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [آل عمران: 31]، وفي الأحزاب: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]، وفي الحشر: ﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]. وتارةً رابعةً يأمر - سبحانه - بالتحاكم إليه وقبول حكمه والتسليم له؛ كما في قوله – تعالى –: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]، وفي النور: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾ [النور:51]، وفي الأحزاب: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36]. فمن أحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأراد نصرته، فليمتثل أمره وليجتنب نهيه وليلتزم سنته، وليرضَ بالتحاكم إلى شريعته، ولو كان الحكم مخالفًا لهواه؛ فإن المؤمن لا يكون كامل الإيمان، حتى يكون هواه تبعًا لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الشريعة والأحكام. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [الأعراف: 158]. بارك الله لي ولكم في القران العظيم. الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه، ونشكره على توفيقه وامتنانه، ونستغفره طلبًا لعفوه وغفرانه، ونسأله طمعًا في ثوابه وإنعامه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ كبير في ذاته عظيم في أسمائه وصفاته، ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه، لا يحبه إلا مؤمن ولا يشنؤه إلا كافر أو منافق، جمع الكمال البشري في شخصه، وبهر العالمين بحسن خلقه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله - تعالى - وأطيعوه والتزموا سُنَّة نبيه واتبعوه؛ ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آل عمران: 132]. أيها المسلمون: اعتداءات الكفار والمنافقين على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى من يدينون بدينه قديمة قدم ظهور الإسلام، وبلاغ سيد الأنام - عليه الصلاة والسلام - وستظل حملاتهم شديدة الأوار، عظيمة الاضطرام إلى آخر الزمان، تخبو تارةً لعجز الأعداء أو ضعفهم أو انشغالهم بحروب بينهم، ولكنها لا تلبث أن تعود كرةً أخرى أشد ما تكون. وإن أعظم نصرةً يقدمها المسلم لربه - عز وجل - ولدينه ولنبيه - صلى الله عليه وسلم - هي مزيد من التمسك بالإسلام وتعظيم شعائره وإظهار معالمه وإبراز محاسنه. إن الأعداء ما شرقوا بالإسلام، ولا نالوا من سيد الأنام، ولا جيشوا الجيوش العسكرية، وحشدوا الأبواق الإعلامية، فدمروا ما دمروا، واحتلوا من بلاد المسلمين ما احتلوا، ونشروا الشهوات في أوساط المسلمين، وقذفوا الشبهات بينهم وحاولوا تزوير دينهم، وانتدبوا المحرفين لهذه المهمة القذرة، فباؤوا بفشل بعد فشل، إنهم ما فعلوا ذلك كله إلا لأن دين محمد - صلى الله عليه وسلم - بَقِيَ كما هو غضًّا طريًّا كما نزل منذ ما يزيد على أربعة عشر قرنًا. لقد غزوا المسلمين بالتنصير والإلحاد، ورفعوا من شأن الزنادقة والملحدين، فما أفلحوا ونشروا أفكار ماركس ولينين وسارتر ونيتشه، وديوي وديكارت ومالتوس وميل، وعشرات غيرهم، فكان لأفكارهم بريق اغترَّ به شباب المسلمين ردحًا من الزمن، حتى اطمأن الأعداء أن موجة الإلحاد قد شقَّت طريقها في بلاد المسلمين، وأن مآلها مآل الغرب الإلحادي، وما هي إلا سنوات قلائل حتى ماتت هذه الأفكار، وظهر دين محمد - صلى الله عليه وسلم - من جديد، وصار يهدد إلحاد الغرب بانتشار الإسلام بين أفراده، وليست النصرانيَّة المحرَّفة قادرةً على أن تكون بديلاً صالحًا للإسلام، رغم ما ينفق على التنصير من أموال ضخمة. وإذ ذاك ظهر الوجه الحقيقي لحرية الرأي والحرية الدينية التي يتشدَّق بها الغرب، ويصيح بها المفتونون به وبشعاراته الزائفة، فمنعوا الحجاب وشوَّهوا الإسلام ووصموه بالإرهاب، وضيقوا على المسلمين واتَّهموهم بالتهم الباطلة، وما زاد هذا الإرهاب الغربي الإسلام إلا قوةً وانتشارًا. إنه الدين الوحيد في التاريخ كله الذي استعصى على محاولات التبديل والتغيير والمسخ والتحريف، وهو الدين الذي لم يقبل المماحكات والمساومات على شريعته وأحكامه، منذ أن رفض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مساومات المشركين وإلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ لأن من حكم الله الذي لا يُبدَّل أن يبقى الإسلام إلى آخر الزمان رغم أنوف الحاقدين والكارهين. وهو الدين الوحيد الذي يكون أقوى ما يكون حين يكون أتباعه أضعف ما يكونون، ومن رأى في هذا العصر قوة الأعداء وضعف المسلمين، واجتماعهم وتفرق المسلمين، استبانت له تلك الحقيقة؛ ولذلك أعيتهم الحيل مع الإسلام. وهو الدين الذي يُحيي أتباعَه نيلُ الأعداء منه، وكم دُنست أديان وأفكار فما رفع أتباعها بذلك رأسًا! ولا سِيِّما إن كانوا ضعفاء، وحين غزا أبرهة الكعبة، قال عبدالمطلب وهو سيد قريش: "أنا ربُّ الإبل، وللبيت ربٌّ يحميه"، وتبدل الحال بالإسلام، فلا ينال من دين الله - تعالى - إلا انتفض المسلمون لذلك، وقلبوا حسابات الأعداء رأسًا على عقب، أفنعجب يا عباد الله إن طفح الغيظ من صدورهم ففعلوا ما فعلوا؟! وإن أعظم شيءٍ يغيظهم إظهار سُنَّة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - من إعفاء اللحَى وتقصير الثياب، والتزام المرأة بالحجاب وتتبع السُنَن النبوية وتطبيقها، والإعلان بها واتخاذها شعارًا؛ تعبدًا لله - تعالى – وإغاظةً لأعدائه، وإن إغاظتهم بطاعة الله - تعالى- وبتطبيق سُنَّة نبيه - صلى الله عليه وسلم - من أوثق عُرى الإسلام، فهبُّوا يا أنصار محمد - صلى الله عليه وسلم - لنصرته بتطبيق سُنته واجتناب مخالفته؛ فتلك والله أعظم وسائل النصرة. ومن لاحظ رسوماتهم الفاجرة، بان له أنها ترتكز على الاستهزاء بتلك السُنن الظاهرة التي أمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتخذها الممتثلون لسنته شعارًا لهم. وإن من سُنَّة نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم - التي انتدبكم إليها وحضكم عليها: صيامَ العاشر من مُحرَّم ومخالفة اليهود بصيام يوم قبله أو بعده؛ كما روى ابن عباس - رضي الله عنهما - فقال: قَدِمَ النبي - صلى الله عليه وسلم – المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ((ما هذا؟)) قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نَجَّى الله بني إسرائيل من عدوِّهِم، فصامه موسى، قال: ((فأنا أحقُّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه))؛ رواه البخاري، وفي رواية لمسلم، قال - عليه الصلاة والسلام -: ((لئن بقيت إلى قابل، لأصومَنَّ التاسع))، وأخبر - عليه الصلاة والسلام - أن صيامه مكفِّر للذنوب، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفِّرَ السَّنَة التي قبله))؛ رواه مسلم. فصوموه - رحمكم الله تعالى - تعبدًا لله - تعالى - وامتثالاً لسُنَّة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وطلبًا للأجر. وصلوا وسلموا.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
08-03-2024 | #2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
رد: حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا (5)
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|