تُلَخِّصُ بالفعل هذه المقولة أيضا، فكرة الموضوع المطروح حاليا نصب أعيننا.
فالإحساس بالذنب شعور فطري جُبِلَ عليه بنو البشر؛حيث أن أغلبنا يُخَامِرُهُ
على الدوام إحساس بالذنب من شيء ما، بل حتى حينما نتذوق لذة النجاح،
ونُكـافَئُ في نهاية المطاف عندما ندرك بالمجهودات التي نبذلها مبتغانا.
أَيَبْدُو هذا متناقضا ؟ نعم ولا (لَعَمْ).
فالشعور بالذنب في واقع الأمر ما هو إلا رابط أو خيط ناظم شفاف
وغير مرئي يصِلُنَا بماضينا، ويسبب حالة من الوعي تنتابنا حُيـالَ خطوات
غير صائبة أقدمنا عليها، أو أفعال خاطئة قمنا بارتكابها.
ويظل هذا الشعور مَأْثُورا في محيط تسوده المقارنات وروح المنافسة
وتعتبران فيه قيما عليا وفضلى.
وإذا كان النجاح على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والأسري مدخلا
لتعريف مفهوم السعادة، فأسباب أخرى للإحساس بالذنب آخذة في التمظهر
بشكل يومي، سواء ونحن نسعى لتطوير أساليب التفاعل أو حينما نشعر كم نحن
محظوظون بنشأتنا في بيئة سليمة وآمنة (يبدو جليا بأن السبيل إلى “النجاح”
في أوربا يمثل في الواقع تحديا أخف وطأة مقارنة بمحاولة الفرار من بيئة عَصَفَ بها الفقر
المدقع أو من لهيب حرب أهلية في مكان قصي من العالم).
وفي حقيقة الأمر، يبقى الإحساس بالذنب حالة يصعب الإحاطة بجوانبها أو فهمها،
بما أنها ذات حمولة شخصية إلى حد كبير، وتأخذ أشكالا متعددة تبعا للسياقات
والأشخاص. وبالمقابل ومما لا شك فيه، فإن نظرة الآخر والضغوط الدائمة
تُسْهِمُ في مضاعفة هذا الشعور، وأن غالبية الأشخاص على وجه التقريب
يحملون هذا العبئ على كواهلهم.
ويبقى السؤال المطروح اليوم، ألا وهو هل بالإمكان التَّهْوِينُ
من هذا الإحساس الذي يترصدنا ويلازمنا.
حينما يحضر هذا الإحساس بكثرة، فإنه يمثل عقبة أمام النجاح؛
وفي حال غيابه بالمرة، فإننا نتجاوز حدود الاحترام واللياقة،
ويؤدي بنا هذا إلى مِرَاسِ سلوكيات تعادي عادات المجتمع.
ويظل هدفنا المشترك في الحد منه بالمفهوم المبسط للعبارة.
وفوق هذا، فهو يبقى شيئا طبيعيا وقد يقود في كثير من الأحيان
إلى الوقفة مع الذات كما يقود إلى تحسين الجانب الشخصي.
1. الإحساس بالذنب، شعور نفسي متطرِّف
يستحيل إهمال الإحساس بالذنب، لأنه كان على الدوام مُلْهِبا للإنحراف والعزلة
وهادِما للوشائج والروابط المجتمعية.
فالعديد من الأشخاص حاليا يقومون بتدمير أنفسهم
(فيُبالغون في شرب الكحول، وتناول المخدرات والقيام بعادات سيئة)
وذلك معاقبةً منهم لأنفسهم جراء عدم القيام بردة فعل مناسبة
أو مُحَمِّلِينَ أنفسهم المسؤولية عن الماضي.
وهي ردة فعل غريبة، خاصة وأننا نعلم عدم قابلية تغيير الماضي،
وأن تطوير الذات -وهو مبدأ تواضَعَ الجميع على كونه هدفا من الأهداف الهامة جدا في الحياة-
يؤسِّسُ للفشل على مستوى الرغبة في التعلم.
فالإحساس بالذنب يُخْرِجُ صاحبه من واقعية الفعل،
ويدفعه للتركيز على النتائج السلبية وأثرها الذي يلمسه في حياته اليومية.
ويثيـر هذا تساؤلا عاما وشاملا، ونُزُوعاً إلى فقدان الثقة بالنفس
واعتبارِ نقصِ عقلانية بعضِ اختياراتنا، بأنها ظاهرة تتكرر وتحدث بشكل تلقائي تقريبا.
وربما أكثر من أي شعور نفسي آخر، فالإحساس بالذنب بإمكانه التأثير في نظرتنا للعالم
على المدى البعيد، وأن يتحكم فينا بشدة، ويمحو خِلْسَةً كل مشاعر
الإحساس بالهناء والسرور. لكن يظل الشيء غير المفهوم في مسألة الإحساس بالذنب
كون ظهوره غير مرتبط بمدى شدة وصعوبة الظروف التي نعيشها ونصادفها.
ومن الممكن كذلك أن نستشعر الذنب، وذلك بأن نمنح أنفسنا أياما للراحة،
وأن ننفق المال على نزوة عابرة، وألا نقوم بتجريب أسلوب آخر يُحَفِّزُ تنشئتنا الاجتماعية.
فالإحساس بالذنب يؤدي إلى فقدان الشعور بالموضوعية، على غرار حالات ذهنية غير مستقرة،
ويقوم بإبعادنا عن إدراك حقيقةِ قدراتنا الذاتية.
باختصار شديد، فأيا كان سبب وسياق تطور الإحساس بالذنب،
فإن هذا الأخير قادر على أن يضع مجهوداتنا محل سؤال بشكل دائم،
وأن يقتادنا إلى النظر بسلبية نحو المستقبل.
وكما يقول شارل ب. كورتيس النائب العام بولاية بوسطن الأمريكية،
وهو مؤلف أمريكي :” لا يَرْتَاعُ الإحساس بالذنب والخطيئة سوى من الماضي”.
وقد يعيق إحساس مثل هذا مواجهتنا لشكوكنا والسير قدما نحو الأمام
عن طريق رفع التحديات ومراكمة التجارب، ويُصَعِّبُ الشعورَ بقلة الاهتمام.
2. العودة إلى الحاضر أو كيفية التغلب على الإحساس بالذنب
إذا كان هناك شيء ما نَسْتَبْطِنُهُ بسرعة فائقة، فمرد ذلك أن الإحساس بالذنب
يَعُوقُ تقدمنا وتطورنا بشكل جيد. فهو مرتبط ببنياننا على المستوى الشخصي،
وكذلك على تأثير الأحداث والمجريات التي لا تتغيير،
ويجب علينا أيضا أن نتعلم ونستخلص الدروس من هفواتنا وأن نركز على المستقبل.
وبعد كل هذا، فإن أي اختبار يمكننا جيدا من معرفة حدودنا، وعيوبنا،
وأن نسعى إلى تطوير سيكولوجيتنا في إطار من وعي التطورات التي يستوجب
تحقيقها كي نتجنب تكرار نفس الهفوات.
فبدل الشكوى مما جرى لنا في الماضي، فمن الأجدى والأصوب تركيز
تفكيرنا الشخصي على الأفعال والخطوات التي سنقدم عليها على المدى القصير
بغية الخلاص من الإحساس بالذنب. ولذلك، ومثلما هو الحال دائما، فإن الكتابة تظل
متنفسا ومخرجا يُمَكِّنُ من مسائلة هذا الإحساس الذي يتنازعنا ويحيرنا. فبإمكانكم
وبكل بساطة أن تَخُطُّوا فوق بياض الورق تلكم العوامل التي دفعتكم دفعا للإحساس بالذنب،
ومواجهتها بخيارات قصد التقليل منها.
ومن دون أدنى شك، يظل هذا الفعل يمكننا من وعيِ أن الوقت لا زال مواتيا للتحرك
(لم يفت الأوان بعد بالتأكيد)، وبأن وَقْعَ الشعور السيء المتجسد
قد أعطي أكثر من حجمه. وهذا النمط من التفكير يتطلب عزيمة وإرادة قوية للتغيير،
وإعادة تسطير أهدافنا. والقبول بمفهوم الإقدام على المخاطرة والإخفاق
هما شيئان مهمان في مسألة الفرج والإحساس بالذنب.
فإذا تم فهم هذا المنطق واستيعابه فبإمكاننا أن نطور سلوكنا ونروم التطور نحو الأفضل.
فلماذا نحس بالذنب فيما الحل الأوحد لدينا، يتجلى في مراكمة
دروس الحياة كي تتجسد وتبرز شخصيتنا؟
ويبقى هذا هو السؤالُ الحقيقي المطروح من دون أدنى شك …
نحن لا نخدع أنفسنا، فالوسائل التي تخفف من وطأة الإحساس بالذنب
لا يمكن حصرها، شأنه شأن قائمة للمبيعات.
ويتطلب هذا من كل شخص أن يسبر دواخل وبواعث نفسه،
كي يفهم ويَعِيَ ضرورة أن يعيش اللحظة الراهنة وليس في ماض ثابت لا يمكن تغييره.
وبدلا من البحث عن التأنيب واللوم بخصوص الأخطاء التي اجترحناها،
فإنه من الأجدى القيام بتحديد المسببات، ما يمكننا من تطوير ملكة وحس التوقع لدينا.
ويتبدى من الصواب التفكير بأن أفضل وسيلة للتخلص من الإحساس بالذنب،
تكون بالتخلص بشكل يومي من ظروف نشأته وتكونه.
وهذا يتطلب التفكر على مستوى وَقْعِ أفعالنا، والتحلي بالمسؤولية الحقيقية
والفعلية. فلا يمكننا تغيير الماضي، لكن بإمكاننا أن نرفض ملاحقته لنا على الدوام،
فكل شيء متعلق بمسألة الاختيار، والإرادة.
أن نتخذ القرار بحزم أم لا، فإن الأشباح لن تخرج من الخزانة،
وهذا في حد ذاته هو بالفعل محدودية لتأثير سلطتها على نفسيتنا.
ما رأيكم؟ هل الإحساس بالذنب هَمُّ تحملونه على كاهلكم يوميا ؟
وما هي الوسائل التي تستخدمونها للتخلص منه؟