10-13-2012
|
#931
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
--- فاصل ونواصل ---
--- قصه و قصيدهـ غايه في الروعه ---
قصة فتاة ضلت عن أهلها في الصحراء وذلك بسبب إنشغال أهلها بمعركة طاحنة وكانت هذه المعركة جزء من
حرب عظيمة دامت سنين طويلة
وكانت هذه الحرب بين قبيلتها وبين شريف مكة آنذاك ..وقد وجدها أحد شيوخ الدواسر أو عقيد قومهم فأعطاها
الأمان وذهب بها إلى أهله.
عاشت هذه الفتاة في كنف قبيلة الدواسر وأحبها ابن الامير ثم تزوجها بالرغم من المعارضة الشديدة من أمه وكان
سبب اعتراضها هو لأن الفتاة إدعت أنها همية ضائعة عندما تم العثور عليها مقطوعة في الصحراء مستظلة بشجرة
كبيرة والتي كانت تصعد عليها اذا ما احست بالخطر وهي لم تنسب نفسها لقبيلتها ربما خوفا على نفسها أو على
قبيلتها...مرت السنون وانجبت هذه الزوجة الشابة ابنا اسمته سباع وكان سباع
قويا وكان يتضارب مع أبناء عمه ويؤذيهم بسبب كثرة ما يعيرونه بأمه إلى أن اشتكت الأمهات إلى الشيخ الكبير
أبو زوجها بما يفعله سباع فتوجه إلى أم سباع فقال لها كلمة آلمتها وهي موجودة في الأبيات
واستمر هذا الحال سنين طويلة إلى أن شب سباع وأصبح يغزو مع أبناء عمه فوصل إلى مكان غريب به أثار قوم
وقدور.. ولكن المكان كان خاويا فأخبر أمه بما شاهد ووصف المكان لها فهلت دموعها وعندما علم عمها ابو
زوجها بما بدر منها احتال عليها بحيلة حتى يكشف مكنونها فكانت النتيجة هذه الأبيات التي تربو إلى السبعين
بيت وهي لا تعلم أن عمها يستمع لها وكانت بداية قصيدتها تحكي عما بدر منها عندما اخبرها سباع عن تلك
الديار وعن الكلمة التي قالها عمها لها والتي اثرت بها.
و الأبيات هي :
يهيضْني ياسـبّاع دارٍ ذكرتـهـــــــــا ........................ولاعـاد منها إلا مواري حيودهــــا
سبّاع تبكي أمّـك بعــينٍ ودمـعَـــهَـا ........................من عينها يحفي مـــذاري خدودهـا
ولكن وقود النـــــارباقصىضميرها .......................هاضَ الغرام و بيّحَ الله ســـدُودهــا
ولكن حــجر العــــين فـيـها مــلـيـلـة ................... ....ولكـن ينهش مـوقها مع بـرودهـــا
دمـــــعٍ يـشــادي قــربــةٍ شُــوشليـّة ........................بـعيدٍ معشّــاها زعُــوجٍ قـعـودهــا
زِعـبيـّـــةٍ يـــــاعــمّ مــانـــي هَميــّـة .......................ماني مـن اللـيّ هافياتٍ جدودهـــا
أنامن زِعـــب وزعــب إيـــلاَ أوْجَهوا .......................على الخيل عجْلاتٍ سريعٍ ردودهـــا
أهـــل ســـربةٍ لادْبرَت كِنـّها مهجّرة .......................وِنْ أقبلت كـنَّ الـجوازي وُرودهــــا
لطاح طـــايحهم بشوفي ترايـعـــــوا .......................تقول فهـودٍ مـخـطيـاتٍ صيـودْهـــــا
لصاح صياحٍ بالسّبـــيب تـِفــــازَعوا ......................عــزيِّ لـغمـرٍ ثـبَّرت بهْ بـلـودهــــــــا
لحقوا على مـــثل الــقطــا يوم وردته ......................متغــانــمٍ عــــــينٍ قــراحٍ بـــرودهـا
خـــيلٍ تغــذّى للبــلا و المـــــــعـارك ......................ترهِق صناديد العِدا في طرودهــــــا
لا تلقـــحونَ الخـــيـل يا زعب ياهلي ......................تـرى لـقـاحَ الخيـل يـردي جـهودهـا
إن جَـتْ سمـاحَ الـــخــدّ مايــلـحـقـن ......................ون جـت مع السّنْداء لزومٍ يكودهــــا
جــينـا الشّــــريف بديرتـِه وإلتـقـانـا ......................كلّ الـقـبايـل جامـــعٍ بــه جـنـودهـا
طَــلَبْ عــلـينا الـخُورهجمت قصيرنا ......................مِــتـمَـوّلٍ يبـغـي حـنازيب سـودهـــا
يـَـامـَـا عـطـينـا دونــهـــا مـن سبيـّه ......................تسعين صفرا إحسابها ومعدودهــــا
تمـامـــــها شعــيطان خيالة مهـوّس .....................أصايـل صنـع النـّصـارى قيــودهـــا
اقـطـع قـبيـلةٍ ضـــفـــها مـايــــذرّى ......................تشــري جمـالٍ غـطـها في بـدودهـا
قـــصيرنا في راس عيــطاً طــــويلة ......................بـحجي ذراها من عواصيف نودهـــا
عيـّوا عليـها لابِتــــي واحـــتـمـُوهـا ......................بمـصـقــّلات مِــرهـِـفــاتٍ حــدودهـا
حَرَبنا العدى والبنت نشوٍ بهاامــــها ......................واليـوم قـده مـنـوةِ العــيــن عــودهـا
تسعــين لـيــــلـة والـــعرابـا مــعقـّلة ......................شمـخ الـذراء ومحـجـزاتٍ عضودهـــا
شقـــح البكار الليّ زهـــن الدباديب .....................قامت تـضـالـِـع مــن مثـاني زنودهــا
خـــيــلٍ تناحيهـاوتــــضــرب بالقنا ......................مثـل الـتهـامي يــوم أحـلى جرودهــا
بنــــات عـــميّ كلــــّهن شقّن الخبا ......................بيضِ الترايـب نـاقضـات جعـودهـــــا
على الحنــــايــــا ناقضاتِ الجدايل ......................سمـرِ الـذّوايـب كـاسـيـات خدودها
وجـيهٍ تشـــادي مـــزنـةٍ عــقربــيـّة ......................أقـبـل مـطـرهـا يــوم حـنت رعـودهــا
منـــهن نهارَ الهوش تنخَى رجالها ......................سـتر الـعـذارى مـاحضر مـن فهودهـــا
لبـــاسةٍ بالــهوش لــلدّرْع والطاّس .................... وعلـــى سـروج الخيـــل كـودٍ سنـودهـا
مِــن صـنــع داود عـــلــيهم مشـالح .....................تجـيـبه رجـالٍ مِـــن غـنـايـم فـهـودهــــا
يا ماطعنوا مــن حـــربــةٍ عــولــقيّة .................... شلفـى تلـظـى يَشـرَب الـدّم عــودهـــــــا
الليّ ايتموا في يــــوم تسعين مُهرة ....................مـامـنـهـن اللـيّ مـاتــلاوي عــمـودهــــا
تسعين مــع تسعيــن والفين فارس ....................تحـت صليـب الخــدّ تطـوى لحـودهـــــــــا
تسعين منـهن بــين ابــويه وعزوتي ....................وتسـعين عـنـانٍ واللــواحـي شـهودهـــــا
قبـــيلةٍ كـم أذهــبـت مــِن قبيـــــلة ....................لاعـــدّت الجـــودات يـنــعــدّ جـُـودهـــــــا
زِعــب هُم أهلَ المدح والمجدوالثنا ...................من الربـع الخـالي للـحجاز حدودهــــــــــا
إن أجْنبوا فــالــصّيـــد منـهم تحوّز ...................وضيحيـهـا ومن الـجوازي عنودهــــــــــــا
وِن أشـــــمـلوا تهـــجّ مِنــهم قبايل ...................ودارٍ يجــــونــه ضــدهــم مـــايــرودهـــــا
لامِــــن نـــووا فـي ديرةٍ ياهَلونها ....................تــِـقـافــت الــظّـعـان عـجـلٍ شـدودهـــــــا
اركـــابــــهـم يـــمّ العِدى مِتعبينها ...................بـيضَ الـمحـاقـب فـاتـرات لهــــودهــــــــا
يَامَاخــذوا مـــن ضــدّهم مِن غنيمة ..................ولا صــاوُغــــوه بـلـطـمـــةٍ مـايــعـــودهـــا
بنـــمرٍ تشــــــادي للجراد التهامي ..................مــاتــطـاوع الحـكـام مـــن عظـم زودهـــــا
أشـــوف بالـــحره ضــعــون تقللّت ..................وابـــوي حـــمـّـاي الـســـرايــــا يــذودهـــا
شفي مــــعــه صـقر تبــاريه عندل ...................مــــــرٍّ يـبــــاريـــه و مـــــــرٍّ يــــقـــودهـــا
أنا فتــاة الـحي بنــت بـن غــافل ...................كــــــــم مـِـن فــتــــاةٍ غـــرّ فـيها قعودهــا
شرشوح ذودٍ ضـــاربٍ لــه خَريمة ....................ما ودّك يـشــــوفــه بـعـيـنـه حــــسُودهــــــا
حــوّلت مــن نظوى ورقيت سرحه ....................حـــطـّيـت رفٍ فـي مِـثــــانــي فنودهــــــــا
وجوني ركيبٍ ونوّخوا في ذراها ...................وشافـني عِــــقـيـدَ القوم زيزوم قودهـــــــــا
قــال انــزلي يابنت وانتِ بوجهي ...................ولا جــيـتـه إلاّ بــــالـوثـــْق مـن عهُـودهــــــا
أمــــرٍ كِـتــبـه الله وصـار وتكوّن ...................تســــــبّب علـينا مــن الأَعــادي قرودهـــــــا
بكونٍ شِــــديـــدٍ مــاتمنّاه عارف ...................تـعـدّه عـيـالٍ عــــــادهـا فــي مـهـودهــــــا
ذكــــرت وقتٍ فايتٍ قِد مضىلهم ...................ويــومٍ عـلـيـنـا مــن لـيـــالي سـعـودهـــــــــا
ضوٍّ زمــت لـــلـمال من غب سرية ...................وضـوٍّ زمّت عــــــيدان الـــرطــــــىَ وقـودهــا
لكن قرون الصّيد باطـــراف بيتنا ...................هشيم الغضــــــا يــــدنــي لحامــي وقودهــا
تسعين عيـنـا صـيــدنا في عشيّة ..................وضـيـحـيـّـــة نجـــــعــل دلانــــا جــلـودهـــــا
قنّاصنا يـذهـب شـريقٍ وينثـــني ..................ويجـيــــب الجــــوازي دامـيـــاتٍ خــــدودهــا
وروّايـنـا يـروح يـــومٍ ويـــنثـني ..................ويجــــــيب الـــقـــلاصي لاحـــقـاتٍ حــدودها
ومـدّادنـا ياخذ حـديـد ويــــنثـني ..................ويجــيـب الجـــلادي ضـايمـاتٍ هـــــبودهــــا
وغــزّايـنـا يغـزي حــديد وينثني ..................ويجـيـب الـعــــــــرابــا حــافــــلاتٍ ديـودهــا
لـنـا بـيـن حـَبـْـر وغْـرابـا مــنزلٍ ..................لِهــن فـــي زيــن الــعـــرابا قـــــعـــــودهــــا
حنــــّا نزلنا الــــحزم تسعين ليلة ..................وغــــــلّ الأعــــادي لاجيٍ فــي كــبــودهـــا
لامن حجى معنا علـــيمٍ ولا ذرى ..................إلاّ شـــــخـوص العـــين قـــب نـقـــودهــــــــا
وقلـــيبنا غزيــرةَ الجــــمّ عيلـــم ..................مــا ينشـــــــدون صـــــــدورهامن ورودهــــا
طـولـه ثمانٍ مع ثمانٍ مــع أربـع .................وســـــطٍ مـــن الصـفـــــرا وقبلـت نـفــودهــــا
أهل عقلةٍ بحدّ الحاذ من الــغضى .................مادارهــــــا الـــــزرّاع يـبـذر مــــدودهـــــــا
ألـفــــين بـيـتٍ نــازلـين جـبـاها ..................والـفــين بـيـتٍ بـالـمــــــظــامـي تــرودهــــا
تـخـالِـفـوا في يوم تسعـين لحيـه .............. ...عـلشـان وقـفـت أجـنبي إبـنـفـودهـــــــــــــا
دارٍ لِـنا مـاهـــــيب دارٍ لـــغـيرنا ...................مــاحدّها الـرّمــــــلـه ومــا ورد عـدودهـــــا
و بعد أن سمع عمها الشيخ قصيدتها علم أنها من قبيلة زعب و أنها إبنة أحد كبار قبيلة زعب وهو بن غافل
|
|
|
10-13-2012
|
#932
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
--- شرح الاربعين النوويه --- للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ---
الحديث الحادي والثلاثون
عَنْ أَبي العَباس سَعدِ بنِ سَهلٍ السَّاعِدي رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله: دُلَّني عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمَلتُهُ أَحَبَّني اللهُ، وَأَحبَّني النَاسُ ؟ فَقَالَ: (ازهَد في الدُّنيَا يُحِبَّكَ اللهُ ، وازهَد فيمَا عِندَ النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ)[227] حديث حسن رواه ابن ماجة وغيره بأسانيد حسنة.
الشرح
قوله "جَاءَ رَجُلٌ" لم يعين اسمه، ومثل هذا لا حاجة إليه، ولاينبغي أن نتكلف بإضاعة الوقت في معرفة هذا الرجل، وهذا يأتي في أحاديث كثيرة، إلا إذا كان يترتب على معرفته بعينه اختلاف الحكم فلابد من معرفته.
وقوله: "دُلني عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَملتُهُ أَحَبَّني الله،وَأَحبَّني النَّاس" هذا الرجل طلب حاجتين عظيمتين، أولهما محبة الله عزّ وجل والثانية محبة الناس.
فدله النبي صلى الله عليه وسلم على عمل معين محدد،فقال: "ازهَد في الدُّنيَا" والزهد في الدنيا الرغبة عنها، وأن لا يتناول الإنسان منها إلا ما ينفعه في الآخرة، وهو أعلى من الورع، لأن الورع: ترك ما يضر من أمور الدنيا ، والزهد: ترك مالا ينفع في الآخرة، وترك ما لا ينفع أعلى من ترك ما يضر، لأنه يدخل في الزهد الطبقة الوسطى التي ليس فيها ضرر ولا نفع، فالزهد يتجنب مالا نفع فيه، وأما الوَرَع فيفعل ما أبيح له،لكن يترك ما يضره.
وقوله: "يُحِبكَ الله" هو بالجزم على أنه جواب : ازهَد
والدنيا: هي هذه الدار التي نحن فيها، وسميت بذلك لوجهين:
الوجه الأول: دنيا في الزمن.
الوجه الثاني: دنيا في المرتبة.
فهي دنيا في الزمن لأنها قبل الآخرة، ودنيا في المرتبة لأنها دون الآخرة بكثير جداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَمَوضِعُ سوطِ أَحَدِكُم في الجَنَّةِ خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فيهَا"[228] وقال النبي صلى الله عليه وسلم "ركعَتَا الفَجرِ خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فيهَا"[229] إذاً الدنيا ليست بشيء.
ولذلك لا تكاد تجد أنه يمر عليك شهر أو شهران أو أكثر إلا وقد أصبت بالسرور ثم أعقبه حزن، وما أصدق وصف الدنيا في قول الشاعر:
فيوم علينا ويوم لنا ويوم نساء ويوم نسر
وقوله: "وازهَد فيمَا عِندَ النَاس يُحِبكَ النَّاس" أي لا تتطلع لما في أيديهم، ارغب عما في أيدي الناس يحبك الناس، وهذا يتضمن ترك سؤال الناس أي أن لا تسأل الناس شيئاً، لأنك إذا سألت أثقلت عليهم، وكنت دانياً سافلاً بالنسبة لهم،فإن اليد العليا المعطية خير من اليد السفلى الآخذة.
من فوائد هذا الحديث:
1-علو-همم الصحابة رضي الله عنهم، فلا تكاد تجد أسئلتهم إلا لما فيه خير في الدنيا أو الآخرة أو فيهما جميعاً.
وهنا السؤال : هل الصحابة رضي الله عنهم إذا سألوا مثل هذا السؤال يريدون أن يطلعوا فقط، أو يريدون أن يطلعوا ويعملوا؟
الجواب:الثاني،بخلاف كثير من الناس اليوم-نسأل الله أن لايجعلنا منهم- يسألون ليطلعوا على الحكم فقط لا ليعملوا به،ولذلك تجدهم يسألون عالماً ثم عالماً ثم عالماً حتى يستقروا على فتوى العالم التي توافق أهواءهم، ومع ذلك قد يستقبلونها بنشاط وقد يستقبلونها بفتور.
.2إثبات محبة الله عزّ وجل،أي أن الله تعالى يحب محبة حقيقية.
ولكن هل هي كمحبتنا للشيء؟
الجواب:لا، حتى محبة الله لنا ليست كمحبتنا لله، بل هي أعلى وأعظم، وإذا كنا الآن نشعر بأن أسباب المحبة متنوعة،وأن المحبة تتبع تلك الأسباب وتتكيف بكيفيتها فكيف بمحبة الخالق؟!! لا يمكن إدراكها.
الآن نحب الأكل، ونحب من الأكل نوعاً نقدمه على نوع، وكذلك يقال في الشرب،ونحب الجلوس إلى الأصحاب، ونحب الوالدين،ونحب النساء، فهل هذه المحبات في كيفيتها وحقيقتها واحدة؟
الجواب:لا،تختلف.
فمحبة الخالق عزّ وجل لنا-ليست كمحبتنا إياه،بل هي أعظم وأعظم،لكنها حقيقية.
زعم أهل التعطيل الذين حكموا على الله بعقولهم وقالوا:ما وافق عقولنا من صفات الله تعالى أثبتناه وما لا فلا،ولهذا قاعدتهم في هذا،يقولون:ما أقرته عقولنا من صفات الله أقررناه،وما خالف عقولنا نفيناه،وما لم توافقه ولم تخالفه فأكثرهم نفاه وقالوا:لا يمكن أن نثبته حتى يشهد العقل بثبوته،وبعضهم توقف فيه.
وأقربهم إلى الورع الذين توقفوا ومع ذلك فلم يسلكوا سبيل الورع،إذ سبيل الورع أن نثبت ما أثبته الله تعالى لنفسه مطلقاً،سواء أدركته عقولنا أم لا،وأن ننفي ما نفاه الله تعالى عن نفسه مطلقاً،سواء أثبتته عقولنا أو لا، وما لم ترد عقولنا بإثباته أو نفيه نثبته إن أثبته الله تعالى لنفسه، وننفيه إن نفاه الله تعالى عن نفسه.وعلى هذا فمحبة الله تعالى للعباد ثابتة بالقرآن والسنة وإجماع السلف الصالح ،قال الله تعالى: ( فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ )(المائدة: الآية54) وقال عزّ وجل: ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)(التوبة: الآية4) (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً) (الصف:4) وآيات متعددة.
فيقول أهل العقل الذين حكموا على الله بعقولهم:محبة الله يعني إثابته على العمل.
فنقول:الإثابة على العمل أليس من لازمها المحبة؟ لأنه لا يمكن أن يثيب على عمل إلا وهو يحبه، إذ العقل لا يمكن أن يحكم بأن أحداً يثيب على عمل وهو لا يحب العمل، العقل ينفي هذا، فإذا رجعنا إلى العقل صار العقل دليلاً عليه.
وحينئذ يجب أن نثبت المحبة بدون واسطة، فنقول: هي محبة حقيقية.
فلو أنكروا المحبة وقالوا: إن الله لا يحب فقد كذبوا القرآن، ولذلك نقول:إنكار حقيقة الصفات إن كان إنكار تكذيب وجحد فهو كفر،وإن كان إنكار تأويل فهذا فيه تفصيل:
1-إن كان للتأويل مساغ لم يكفر،لكنه خالف طريق السلف،فيكون بهذا الاعتبار فاسقاً مبتدعاً.
.2وإن كان التأويل لا مساغ له لم يقبل منه أبداً، ولهذا قال العلماء في الأيمان لو قال شخص: والله لا أشتري الخبز،وذهب واشترى خبزاً،فقلنا له: عليك كفارة، فقال: لا، أنا أردت بالخبز الثوب،فلا يقبل منه،لأن هذا ليس له مساغ في اللغة.
لكن لو قال: والله لا أنام إلا على فراش ثم خرج إلى الصحراء ونام عليها،وقلنا له:حنثت لأنك لم تنم على فراش،قال:أردت بالفراش الأرض كما قال الله عزّ وجل: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً )(البقرة: الآية22) فإنه يقبل، لأن هذا سائغ.
وعلى كل حال:طريق السلامة،وطريق الأدب مع الله،وطريق الحكمة أن نثبت لله ما أثبته لنفسه،سواء أدركته عقولنا أم لم تدركه،وأن ننفي ما نفاه الله عن نفسه سواء أدركته عقولنا أم لم تدركه،وأن نسكت عما سكت الله عنه.
.3أن الإنسان لا حرج عليه أن يطلب محبة الناس،أي أن يحبوه،سواء كانوا مسلمين أو كفاراً حتى نقول:لا حرج عليه أن يطلب محبة الكفار له، لأن الله عزّ وجل قال: ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ )(الممتحنة: الآية8) ومن المعلوم أنه إذا برهم بالهدايا أو الصدقات فسوف يحبونه،أو عدل فيهم فسوف يحبونه،والمحذور أن تحبهم أنت، ولهذا جاء في الحديث وإن كان ضعيفاً أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقبل على البلد قال: "اللَّهمَّ حَبِّبْنَا إِلَىأَهْلِهَا،وَحبَب صَالِحي أَهْلِهَا إِلَينَا" ، فلما أراد المحبة الصادرة منه قال: "صَالِحي أَهْلِهَا" ولما أراد المحبة الصادرة من الناس قال: حَبِّبنَا إِلَى أَهْلِهَا مطلقاً.
.4فضيلة الزهد في الدنيا، ومعنى الزهد: أن يترك مالا ينفعه في الآخرة.
وليس الزهد أنه لا يلبس الثياب الجميلة، ولا يركب السيارات الفخمة، وإنما يتقشف ويأكل الخبز بلا إدام وما أشبه ذلك، ولكن يتمتع بما أنعم الله عليه،لأن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، وإذا تمتع بالملاذ على هذا الوجه صار نافعاً له في الآخرة،ولهذا لا تغتر بتقشف الرجل ولبسه رديء الثياب،فربَّ حية تحت القش،ولكن عليك بعمله وأحواله.
.5أن الزهد مرتبته أعلى من الورع، لأن الورع ترك ما يضر ، والزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة.
.6أن الزهد من أسباب محبة الله عزّ وجل لقوله "ازهَد في الدنيَا يُحِبكَ اللهُ" ومن أسباب محبة الله للعبد وهو أعظم الأسباب: اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) (آل عمران: 31)
.7الحث والترغيب في الزهد فيما عند الناس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعله سبباً لمحبة الناس لك، وهذا يشمل أن لا تسأل الناس شيئاً، وأن لاتتطلع وتعرِّض بأنك تريد كذا.
مثال الأول:أن ترى مع شخص من الناس ما يعجبك من قلم أوساعة، وتقول يا فلان : هذه ساعة طيبة،ألا تهديها عليَّ، فإن الهدية تذهب السخيمة، وتهادوا تحابوا، وأتى بالمواعظ من أجل أن يأخذ الساعة ، لكن إذا كان هذا ذكياً قال: وأنت أيضاً أهد عليَّ ساعتك ويأتي له بالنصوص.
أقول:إن سؤال الناس ما عندهم لا شك أنه من أسباب إزالة المحبة والمودة، لأن الناس يستثقلون هذا ويستهجنون الرجل ويستذلونه،واليد العليا خير من اليد السفلى.
مثال ثان: أن تعرض بأنك تريده كأن تقول:ما شاء الله هذا القلم الذي معك ممتاز،ليتني أحصل على مثله،وهذا كأنك تقول له:أعطني إياه.
فمثل هذا عليك أن تردعه، إذا طلب منك هذا فقل له: ابحث عنه في السوق، لأنني لا أحب أن الناس تدنو أنفسهم إلى هذا الحد، دع نفسك عزيزة ولا تستذل.
ولكن هنا مسألة: إذا علمت أن صاحبك لو سألته لسره ذلك، فهل تسأله؟
الجواب:نعم،لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى اللحم على النار قال: "ألم أرَ البرمة على النار" قالوا:يا رسول الله: هذا لحم تصدق به على بريرة، فقال: "هو لها صدقة، ولنا هدية"[230]،لأننا نعلم علم اليقين أن بريرة رضي الله عنها سوف تسر، فإذا علمت أن سؤالك يسر صاحبك فلا حرج والله الموفق.
--------------------------------------------------------------------------------
[227] أخرجه ابن ماجه – كتاب: الزهد، باب: الزهد في الدنيا، (4102)
[228] أخرجه الإمام أحمد – ج5/ص330، في مسند الأنصار عن أبي مالك سهل بن سعد، (23183). والبخاري – بلفظ " خير من الدنيا وما عليها"، كتاب: الجهاد والسير، باب: فضل رباط يوم في سبيل الله، (2892). والترمذي – بلفظ" وموضع سوط.." كتاب: فضائل الجهاد، باب: ما جاء في فضل المرابط، (1664).
[229] أخرجه مسلم- كتاب: صلاةالمسافرين وقصرها، باب: استحباب ركعتي سنة الفجر، والحث عليهما، وتخفيفهما، والمحافظةعليهما، وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما، (725)،(96)
[230] أخرجه البخاري – كتاب: الهبة، باب: قبول الهدية، (2578). ومسلم – كتاب: العتق: باب إنما الولاء لمن أعتق، (1504)، (1)
|
|
|
10-13-2012
|
#933
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
--- شرح الاربعين النوويه --- للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ---
الحديث الثاني والثلاثون
عنْ أَبي سَعيدٍ سَعدِ بنِ مَالِك بنِ سِنَانٍ الخُدريِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهٍِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ)[231] حَدِيْث حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةَ، وَالدَّارَقطْنِيّ وَغَيْرُهُمَا مُسْنَدَاً، وَرَوَاَهُ مَالِكٌ في المُوَطَّأِ مُرْسَلاً عَنْ عَمْرو بنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيْهِ عَن النبي صلى الله عليه وسلم فَأَسْقَطَ أَبَا سَعِيْدٍ ،وَلَهُ طُرُقٌ يُقَوِّيْ بَعْضُهَا بَعْضَاً.
الشرح
"لاَ ضَرَرَ" الضرر معروف،والضرر يكون في البدن ويكون في المال، ويكون في الأولاد، ويكون في المواشي وغيرها.
"ولا ضرار" أي ولا مضارة والفرق بين الضرر والضرار:
أن الضرر يحصل بدون قصد، والمضارة بقصد، ولهذا جاءت بصيغة المفاعلة.
مثال ذلك: رجل له جار وعنده شجرة يسقيها كل يوم، وإذا بالماء يدخل على جاره ويفسد عليه، لكنه لم يعلم، فهذا نسمية ضرراً.
مثال آخر: رجل بينه وبين جاره سوء تفاهم، فقال : لأفعلن به ما يضره، فركب موتوراً له صوت كصوت الدركتر عند جدار جاره وقصده الإضرار بجاره، فهذا نقول مضار.
والمضار لا يرفع ضرره إذا تبين له بل هو قاصده، وأما الضرر فإنه إذا تبين لمن وقع منه الضرر رفعه.
وهذا الحديث أصل عظيم في أبواب كثيرة، ولا سيما في المعاملات:كالبيع والشراء والرهن والارتهان، وكذلك في الأنكحة يضار الرجل زوجته أو هي تضار زوجها، وكذلك في الوصايا يوصي الرجل وصية يضر بها الورثة.
فالقاعدة: متى ثبت الضرر وجب رفعه، ومتى ثبت الإضرار وجب رفعه مع عقوبة قاصد الإضرار.
من ذلك مثلاً: كانوا في الجاهلية يطلق الرجل المرأة فإذا شارفت انقضاء العدة راجعها، ثم طلقها ثانية فإذا شارفت انقضاء العدة راجعها، ثم طلقها ثالثة ورابعة، لقصد الإضرار،فرفع الله تعالى ذلك إلى حد ثلاث طلقات فقط.
مثال آخر:رجل طلق امرأته ولها أولاد منه،حضانتهم للأم إلا إذا تزوجت، والمرأة تريد أن تتزوج ولكن تخشى إذا تزوجت أن يأخذ أولاده، فتجده يهددها ويقول:إن تزوجتي أخذت الأولاد،وهو ليس له رغبة في الأولاد ولا يريدهم،ولو أخذهم لأضاعهم لكن قصده المضارة بالمرأة بأن لا تتزوج، فهذا لا شك أنه حرام وعدوان عليها، ولو تزوجت وأخذ أولادها منها مع قيامها بواجب الحضانة ورضا زوجها الثاني بذلك، لكن قال:أريد أن أضارها،ونعرف أنه إذا أخذهم لم يهتم بهم، بل ربما يدعهم تحت رعاية ضرة أمهم، يعني الزوجة الثانية، وما ظنك إذا كان أولاد ضرتها تحت رعايتها سوف تهملهم، وسوف تقدم أولادها عليهم، وسوف تهينهم، ولكنه أخذهم للمضارة، فهذا لا شك أنه من المحرم.
مثال آخر:رجل أوصى بعد موته بنصف ماله لرجل آخر من أجل أن ينقص سهام الورثة، فهذا محرم عليه مع أن للورثة أن يبطلوا ما زاد على الثلث.
مثال آخر:رجل له ابن عم بعيد لا يرثه غيره، فأراد أن يضاره وأوصى بثلث ماله مضارة لابن العم البعيد أن لا يأخذ المال، فهذا أيضاً حرام.
ولو سرنا على هذا الحديث لصلحت الأحوال، لكن النفوس مجبولة على الشح والعدوان، فتجد الرجل يضار أخاه،وتجده يحصل منه الضرر ولا يرفع الضرر.
يقول المؤلف - رحمه الله - حديث حسن رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما مسنداً أي متصل السند.
وقوله ورواه مالك في الموطأ مرسلاً عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فأسقط أبا سعيد والحديث إذا سقط منه الصحابي سمي مرسلاً، ولكن النووي- رحمه الله- قال: وله طرق يقوي بعضها بعضاً ولا شك أنه إذا تعددت طرق الحديث وإن كان كل طريق على انفراده ضعيفاً فإنه يقوى، ولهذا قال الشاعر:
لا تخاصم بواحد أهل بيت فضعيفان يغلبان قوياً
هذا الحديث يعتبر قاعدة من قواعد الشريعة، وهي أن الشريعة لا تقر الضرر، وتنكر الإضرار أشد وأشد والله الموفق.
|
|
|
10-13-2012
|
#934
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
--- شرح الاربعين النوويه --- للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ---
الحديث الثالث والثلاثون
عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدعوَاهُمْ لادَّعَى رِجَالٌ أَمْوَال قَومٍ وَدِمَاءهُمْ، وَلَكِنِ البَينَةُ عَلَى المُدَّعِي، وَاليَمينُ عَلَى مَن أَنكَر"[232] حديث حسن رواه البيهقي هكذا بعضه في الصحيحين.
الشرح
قوله: "لَو يُعطَى" المعطي هو من له حق الإعطاء كالقاضي مثلاً والمصلح بين الناس.
وقوله: "بِدَعوَاهُم" أي بادعائهم الشيء،سواء كان إثباتاً أو نفياً.
مثال الإثبات:أن يقول: أنا أطلب فلاناً ألف ريال.
ومثال النفي:أن ينكر ما يجب عليه لفلان، مثل أن يكون في ذمته ألف ريال لفلان،ثم يدعي أنه قضاها، أو ينكر أن يكون له عليه شيء.
"لادعى" هذا جواب "لَو"
"لادعَى رِجَال" المراد بهم الذين لا يخافون الله تعالى،وأما من خاف الله تعالى فلن يدعي ماليس له من مال أو دم، "أَموَال قَوم" أي بأن يقول هذا لي، هذا وجه.
ووجه آخر أن يقول: في ذمة هذا الرجل لي كذا وكذا ، فيدعي ديناً أو عيناً.
"وَ دِمَاءهُم" بأن يقول: هذا قتل أبي، هذا قتل أخي وما أشبه ذلك، أو يقول: هذا جرحني، فإن هذا نوع من الدماء.
فلو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، لأن كل إنسان لا يخاف الله عزّ وجل لا يهمه أن يدعي الأموال والدماء.
"وَلَكِنِ البَينَةُ" البينة:ما يبين به الحق، وتكون في إثبات الدعوى "عَلَى المُدَعي" "وَاليَمين" أي دفع الدعوى "عَلَى مَنْ أَنكَر" .
فهنا مدعٍ ومدعىً عليه، والمدعي : عليه البينة، والمدعى عليه: عليه اليمين ليدفع الدعوى.
"وَاليَمين عَلَى مَنْ أَنكَر" أي من أنكر دعوى المدعي.
هذا الحديث أصل عظيم في القضاء، وهو قاعدة عظيمة في القضاء ينتفع بها القاضي وينتفع بها المصلح بين اثنين وما إلى ذلك.
من فوائد هذا الحديث:
.1أن الدعوى تكون في الدماء والأموال، لقوله "أَموَال قَوم وَدِمَاءهُم" وهو كذلك، وتكون في الأموال الأعيان، وفي الأموال المنافع،كأن يدعي أن هذا أجره بيته لمدة سنة فهذه منافع، وتكون أيضاً في الحقوق كأن يدعي الرجل أن زوجته لا تقوم بحقه أو بالعكس، فالدعوى بابها واسع، لكن هذا الضابط، وذكر المال والدم على سبيل المثال، وإلا قد يدعي حقوقاً أخرى.
.2أن الشريعة جاءت لحماية أموال الناس ودمائهم عن التلاعب.
.3أن البينة على المدعي، والبينة أنواع منها: الشهادة ، قال الله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ)(البقرة: الآية282)
ومن البينة : ظاهر الحال فإنها بينة، مثال ذلك: رجل ليس عليه عمامة يلحق رجلاً عليه عمامة وبيده عمامة ويقول:يا فلان أعطني عمامتي. فالرجل الذي ليس عليه عمامة معه ظاهر الحال، لأن الملحوق عليه عمامة وبيده عمامة ولم تَجرِ العادة بأن الإنسان يحمل عمامة وعلى رأسه عمامة.
فالآن شاهد الحال للمدعي، فهو أقوى، فنقول في هذه الحال: الذي ادعى أن العمامة التي في يد الهارب له هو الذي معه ظاهر الحال، لكن لا مانع من أن نحلفه بأنها عمامته.
كذلك أيضاً لو اختلف الزوجان في أواني البيت، فقالت الزوجة: الأواني لي، وقال الزوج:الأواني لي. فننظر حسب الأواني: إذا كانت من الأواني التي يستعملها الرجال فهي للزوج،وإذا كانت من الأواني التي يستعملها النساء فهي للزوجة، وإذا كانت صالحة لهما فلابد من البينة على المدعي.
فإذاً القرائن بينة، وعليه فالبينات لا تختص بالشهود.
ومن العمل بالقرائن قصة سليمان عليه السلام، فإن سليمان عليه السلام مرت به امرأتان معهما ولد، وكانت المرأتان قد خرجتا إلى البر فأكل الذئب ولد الكبرى، واحتكمتا إلى داود عليه السلام، فقضى داود عليه السلام بأن الولد للكبيرة اجتهاداً منه، لأن الكبيرة قد تكون انتهت ولادتها والصغيرة في مستقبل العمر.
فخرجتا من عند داود عليه السلام وكأنهما - والله أعلم - في نزاع، فسألهما سليمان عليه السلام فأخبرتاه بالخبر، فدعا بالسكين وقال: سأشق الولد نصفين، أما الكبيرة فوافقت، وأما الصغيرة فقالت: الولد ولدها يا نبي الله، فقضى به للصغيرة[233]، لأن هنا بينة وهي القرينة الظاهرة التي تدل على أن الولد للصغيرة لأنها أدركتها الشفقة وقالت: كونه مع كبيرة ويبقى في الحياة أحب إلي من فقده الحياة، والكبيرة لا يهمها هذا، لأن ولدها قد أكله الذئب.
كذلك قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز لما قال الحاكم: (إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ*وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ*فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) (يوسف:26-28)
ومن ذلك أيضاً :امرأة ادعت على زوجها أن له سنة كاملة لم ينفق، والرجل يشاهد هو يأتي للبيت بالخبز والطعام وكل ما يحتاجه البيت،وليس في البيت إلا هو وامرأته،وقال هو:إنه ينفق فالظاهر مع الزوج، فلا نقبل قولها وإن كان الأصل عدم الإنفاق لكن هنا ظاهر قوي وهو مشاهدة الرجل يدخل على بيته بالأكل والشرب وغيرهما من متطلبات البيت.
في القسامة:القسامة أن يدعي قوم قتل لهم قتيل بأن القبيلة الفلانية قتلته،وبين القبيلتين عداوة،فادعت القبيلة التي لها القتيل أن هذه القبيلة قتلت صاحبهم وعينت القاتل أنه فلان، فهنا مدعي ومدعىً عليه، المدعي أولياء المقتول، والمدعى عليه القبيلة الثانية.
فإذا قلنا:البينة على المدعي واليمين على من أنكر وقلنا البينة ليست الشاهد، بل ما أبان الحق اختلف الحكم.
ولو قلنا إن البينة الشاهد لقلنا للمُدَّعين هاتوا بينة على أن فلاناً قتله وإلا فلا شيء لكم، ولكن السنة جاءت على خلاف هذا، جاءت بأن المُدَّعين يحلفون خمسين يميناً على هذا الرجل أنه قتل صاحبهم[234] ، فإذا حلفوا فهو كالشهود تماماً، فيأخذونه برمته ويقتلونه.
وهذه وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقضى بها هكذا، على أنه إذا حلف خمسون رجلاً من أولياء المقتول فإنهم يستحقون قتل المدعى عليه، وهذا هو الحق،وإن كان بعض السلف والخلف أنكر هذا وقال:كيف يُحكم لهم بأيمانهم وهم مدعون.
فيقال:السنة هنا مطابقة تماماً للواقع،لأن مع المُدَّعين قرينة تدل على أنهم قتلوا صاحبهم وهي العداوة،فهذا القتيل رؤي عند القبيلة الأخرى المدعى عليها،ولا نقول:هاتوا شهوداً،لأن قرينة الحال أقوى من الشهود.
فإذا قال قائل: لماذا كررت الأيمان خمسين يميناً؟
فالجواب:لعظم شأن الدماء،فليس من السهل أن نقول احلف مرة واقتل المدعى عليه.
فإن قال قائل:كيف يحلف أولياء المقتول على شخص معين وهم لا يدرون عنه؟
فالجواب:أننا لا نسلم أنهم لا يدرون عنه، فربما يكونون شاهدوه وهو يقتل صاحبهم،وإذا سلمنا جدلاً أو حقيقة أنهم لم يشاهدوه فلهم أن يحلفوا عليه بناء على غلبة الظن وتتم الدعوى،والحلف بناء على غلبة الظن جائز.
ولذلك القسامة قال عنها بعض العلماء:إنها تخالف القياس من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن الأيمان صارت في جانب المُدَّعين، والأصل أن اليمين في جانب المنكر.
الوجه الثاني: أنها كررت إلى خمسين يميناً.
الوجه الثالث:أن أولياء المقتول يحلفون على شخص قد لايكونون شاهدوا قتله.
وسبق الجواب عن هذا،وأن القسامة مطابقة تماماً للقواعد الشرعية.
.4فيه أنه لو أنكر المنكر وقال لا أَحلف فإنه يقضي عليه بالنكول،ووجه ذلك أنه إذا أبى أن يحلف فقد امتنع مما يجب عليه،فيحكم عليه بالنكول،والله أعلم.
--------------------------------------------------------------------------------
[232] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، ج10/ص252، (20990). وفي البخاري بمعناه – كتاب: التفسير، باب: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً)، (4552). ومسلم – كتاب: الأقضية، باب: اليمين على المدعى عليه، (1711)،(1).
[233] أخرجه البخاري – كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب)، (3427). ومسلم – كتاب: الأقضية، باب: بيان اختلاف المجتهدين، (1720)،(20)
[234] أخرجه البخاري- كتاب: الادب، باب: إكرام الكبير ويبدأ الاكبر بالكلام والسؤال، (6142)، (6142). ومسلم – كتاب: القسامة والمحاربين، باب: القسامة، (1669)،(1)
|
|
|
10-13-2012
|
#935
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
--- شرح الاربعين النوويه --- للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ---
الحديث الرابع والثلاثون
عَنْ أَبي سَعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعتُ رِسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقولُ: (مَن رَأى مِنكُم مُنكَرَاً فَليُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِقَلبِه وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمَانِ)[235] رواه مسلم..
الشرح
""مَنْ" اسم شرط جازم،و: "رأى" فعل الشرط،وجملة "فَليُغَيرْه بَيَدِه" جواب الشرط.
وقوله: "مَنْ رَأَى" هل المراد من علم وإن لم يرَ بعينه فيشمل من رأى بعينه ومن سمع بأذنه ومن بلغه خبر بيقين وما أشبه ذلك، أو نقول: الرؤيا هنا رؤية العين، أيهما أشمل؟
الجواب :الأول،فيحمل عليه،وإن كان الظاهر الحديث أنه رؤية العين لكن مادام اللفظ يحتمل معنى أعم فليحمل عليه.
وقوله: "مُنْكَراً" المنكر:هو ما نهى الله عنه ورسوله، لأنه ينكر على فاعله أن يفعله.
" فَلْيُغَيِّرْهُ" أي يغير هذا المنكر بيده.
مثاله: من رأى مع شخص آلة لهو لا يحل استعمالها أبداً فيكسرها.
وقوله: "مُنْكَرَاً" لابد أن يكون منكراً واضحاً يتفق عليه الجميع، أي المنكر والمنكر عليه،أو يكون مخالفة المنكر عليه مبينة على قول ضعيف لا وجه له.
أما إذا كان من مسائل الاجتهاد فإنه لا ينكره.
"فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ" أي إن لم يستطع أن ينكره بيده "فَبِلِسَانِهِ" أي فلينكره بلسانه ويكون ذلك: بالتوبيخ،والزجر وما أشبه ذلك،ولكن لابد من استعمال الحكمة، كما سيأتي في الفوائد إن شاء الله، وقوله "بِلِسَانِهِ" هل نقيس الكتابة على القول؟
الجواب: نعم، فيغير المنكر باللسان، ويغير بالكتابة، بأن يكتب في الصحف أو يؤلف كتباً يبين المنكر.
"فَإنْ لَمْ يَستَطِعْ فَبِقَلْبِهِ" أي فلينكر بقلبه، أي يكرهه ويبغضه ويتمنى أن لم يكن.
" وَذَلِكَ" أي الإنكار بالقلب "أَضْعَفُ الإِيْمَانِ" أي أضعف مراتب الإيمان في هذا الباب أي في تغيير المنكر.
من فوائد هذا الحديث:
1-أن النبي صلى الله عليه وسلم ولى جميع الأمة إذا رأت منكراً أن تغيره،ولا يحتاج أن نقول: لابد أن يكون عنده وظيفة،فإذا قال أحد: من الذي أمرك أو ولاك؟ يقول له؟النبي صلى الله عليه وسلم لقوله "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ" .
.2أنه لا يجوز إنكار المنكر حتى يتيقن المنكر، وذلك من وجهين:الوجه الأول: أن يتيقن أنه منكر. والوجه الثاني:أن يتيقن أنه منكر في حق الفاعل،لأن الشيء قد يكون منكراً في حد ذاته،لكنه ليس منكراً بالنسبة للفاعل.
مثال ذلك: الأكل والشرب في رمضان،الأصل أنه منكر، لكن قد لا يكون منكراً في حق رجل بعينه:كأن يكون مريضاً يحل له الفطر،أو يكون مسافراً يحل له الفطر.
.3أنه لابد أن يكون المنكر منكراً لدى الجميع،فإن كان من الأمور الخلافية فإنه لا ينكر على من يرى أنه ليس بمنكر،إلا إذا كان الخلاف ضعيفاً لا قيمة له،فإنه ينكر على الفاعل، وقد قيل:
وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلافاً له حظ من النظر
فلو رأيت رجلاً أكل لحم إبل وقام يصلي،فلا تنكر عليه،لأن المسألة خلافية،فبعض العلماء يرى أنه يجب الوضوء من أكل لحم الإبل، وبعضهم لا يرى هذا،لكن لا بأس أن تبحث معه وتبين له الحق.
ولو رأيت رجلاً باع عشرة ريالات من الورق بأحد عشر، فهل تنكر عليه أو لا تنكر؟
الجواب:لا أنكر،لأن بعض العلماء يرى أن هذا جائز،وأنه لا ربا في الأوراق، لكني أبين له في المناقشة أن هذا منكر، وعلى هذا فقس.
فإن قال قائل:ما موقفنا من العوام،لأن طالب العلم يرى هذا الرأي فلا ننكر عليه،لكن هل نقول للعوام اتبعوا من شئتم من الناس؟
الجواب:لا،العوام سبيلهم سبيل علمائهم، لأنه لو فتح للعامي أن يتخير فيما شاء من أقوال العلماء لحصلت الفوضى التي لا نهاية لها ، فنقول:أنت عامي في بلد يرى علماؤه أن هذا الشيء حرام،ولا نقبل منك أن تقول:أنا مقلد للعالم الفلاني أو العالم الفلاني.
وهل قوله: "فَلْيُغَيِّرْهُ بيدهِ" على إطلاقه، بمعنى أنه مع القدرة يغير على كل حال؟
الجواب:لا،إذا خاف في ذلك فتنة فلا يغير،لأن المفاسد يدرأ أعلاها بأدناها، كما لو كان يرى منكراً يحصل من بعض الأمراء،ويعلم أنه لو غير بيده استطاع،لكنه يحصل بذلك فتنة:إما عليه هو،وإما على أهله،وإما على قرنائه ممن يشاركونه في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهنا نقول: إذا خفت فتنة فلا تغير،لقوله تعالى: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ )(الأنعام: الآية108)
.4أن اليد هي آلة الفعل، لقوله: "فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ" لأن الغالب أن الأعمال باليد،ولذلك تضاف الأعمال إلى الأيدي في كثير من النصوص،مثل قوله: (فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)(الشورى: الآية30) والمراد: بما كسبتم بأيديكم أو أرجلكم أو أعينكم أو آذانكم.
.5أنه ليس في الدين من حرج،وأن الوجوب مشروط بالاستطاعة، لقوله: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ وهذه قاعدة عامة في الشريعة،قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(التغابن: الآية16) وقال عزّ وجل: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)(البقرة: الآية286) وقال النبي صلى الله عليه وسلم "مَا نَهَيتُكُم عَنهُ فَاجتَنِبوهُ،وَمَا أَمَرتُكُم بِهِ فَأتوا مِنهُ مَا استَطَعتُم"[236] وهذا داخل في الإطار العام أن الدين يسر.
.6أن الإنسان إذا لم يستطع أن يغير باليد ولا باللسان فليغير بالقلب،وذلك بكراهة المنكر وعزيمته على أنه متى قدر على إنكاره بلسانه أو يده فعل.
فإن قال قائل:هل يكفي في إنكار القلب أن يجلس الإنسان إلى أهل المنكر ويقول:أنا كاره بقلبي؟
فالجواب :لا،لأنه لو صدق أنه كاره بقلبه ما بقي معهم ولفارقهم إلا إذا أكرهوه،فحينئذ يكون معذوراً.
.7أن للقلب عملاً، لقوله: "فَإن لَم يَستَطِع فَبِقَلبِهِ" عطفاً على قوله: "فَليُغَيرْهُ بيَدِهِ" وهو كذلك.
فالقلب له قول وله عمل، قوله عقيدته، وعمله حركته بنية أو رجاء أو خوف أو غير ذلك.
.8أن الإيمان عمل ونية،لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذه المراتب من الإيمان، والتغيير باليد عمل،وباللسان عمل، وبالقلب نية، وهو كذلك، فالإيمان يشمل جميع الأعمال،وليس خاصاً بالعقيدة فقط،لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمَانُ بِضعٌ وَسَبعُونَ شُعبَة، أو قال: وَستونَ شُعبَة، أَعلاهَا: قَولُ لاَ إِلهَ إِلا الله، وَأَدناهَا إِماطَةُ الأَذَى عَنِ الطَريقِ"[237] فقول: لا إله إلا الله قول لسان، وإماطة الأذى عن الطريق فعل الجوارح والحياء وهذا عمل قلب مِنَ الإيمَانِ ولا حاجة أن نقول ما يدور الآن بين الشباب وطلبة العلم :هل الأعمال من كمال الإيمان أو من صحة الإيمان؟ فهذا السؤال لا داعي له،أي إنسان يسألك ويقول: هل الأعمال شرط لكمال الإيمان أو شرط لصحة الإيمان؟
نقول له: الصحابة رضي الله عنهم أشرف منك وأعلم منك وأحرص منك على الخير،ولم يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم هذا السؤال، إذاً يسعك ما يسعهم.
إذا دلّ الدليل على أن هذا العمل يخرج به الإنسان من الإسلام صار شرطاً لصحة الإيمان، وإذا دلّ دليل على أنه لا يخرج صار شرطاً لكمال الإيمان وانتهى الموضوع،أما أن تحاول الأخذ والرد والنزاع، ثم مَنْ خالفك قلت:هذا مرجىء. ومن وافقك رضيت عنه، وإن زاد قلت،هذا من الخوارج، وهذا غير صحيح.
فلذلك مشورتي للشباب ولطلاب العلم أن يدعوا البحث في هذا الموضوع، وأن نقول: ما جعله الله تعالى ورسوله شرطاً لصحة الإيمان وبقائه فهو شرط، وما لا فلا ونحسم الموضوع[238] .
فإن قال قائل: قوله: "فَليُغَيرهُ بيَدِهِ" هل هذا لكل إنسان؟
فالجواب:ظاهر الحديث أنه لكل إنسان رأي المنكر، ولكن إذا رجعنا إلى القواعد العامة رأينا أنه ليس عاماً لكل إنسان في مثل عصرنا هذا، لأننا لو قلنا بذلك لكان كل إنسان يرى شيئاً يعتقده منكراً يذهب ويغيره وقد لا يكون منكراً فتحصل الفوضى بين الناس.
نعم راعي البيت يستطيع أن يغير بيده،لأنه هو راعي البيت،كما أن راعي الرعية الأكبر أو من دونه يستطيع أن يغير باليد .
وليعلم أن المراتب ثلاث: دعوة، أمر، تغيير، فالدعوة أن يقوم الداعي في المساجد و في أي مكان يجمع الناس ويبين لهم الشر ويحذرهم منه ويبين لهم الخير ويرغبهم فيه.
والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو الذي يأمر الناس ويقول: افعلوا ،أو ينهاهم ويقول لهم : لا تفعلوا . ففيه نوع إمرة.
والمغير هو الذي يغير بنفسه إذا رأى الناس لم يستجيبوا لدعوته ولا لأمره ونهيه،والله الموفق.
--------------------------------------------------------------------------------
[235] اخرجه مسلم- كتاب: الإيمان، باب: بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان، (49)، (78)
[236] أخرجه مسلم – كتاب: الحج، باب: فرض الحج مرة في العمر، (1337)،(412).
[237] سبق تخريجه صفحة (162)
[238] انظر شرح العقيدة الواسطية لفضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ص (573) ط دار الثريا.
|
|
|
10-13-2012
|
#936
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
--- شرح الاربعين النوويه --- للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ---
الحديث الخامس والثلاثون
عَنْ أَبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَحَاسَدوا، وَلاَتَنَاجَشوا، وَلاَ تَبَاغَضوا، وَلاَ تَدَابَروا، وَلاَ يَبِع بَعضُكُم عَلَى بَيعِ بَعضٍ، وَكونوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانَاً، المُسلِمُ أَخو المُسلم، لاَ يَظلِمهُ، وَلاَ يَخذُلُهُ، وَلا يكْذِبُهُ، وَلايَحْقِرُهُ، التَّقوَى هَاهُنَا - وَيُشيرُ إِلَى صَدرِهِ ثَلاَثَ مَراتٍ - بِحَسْبِ امرىء مِن الشَّرأَن يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسلِمَ، كُلُّ المُسِلمِ عَلَى المُسلِمِ حَرَام دَمُهُ وَمَالُه وَعِرضُه)[239] رواه مسلم
الشرح
قوله: "لا تَحَاسَدوا" أي لا يحسد بعضكم بعضاً.
وما هو الحسد؟
قال بعض أهل العلم:الحسد تمني زوال نعمة الله عزّ وجل على الغير، أي أن يتمنى أن يزيل نعمته على الآخر،سواء كانت النعمة مالاً أو جاهاً أو علماً أو غير ذلك.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله - الحسد:كراهة ما أنعم الله به على الغير وإن لم يتمن الزوال.
ومن المعلوم أن من لازم الكراهة أن يتمنى الزوال،لكن كلام الشيخ-رحمه الله - أدق، فمجرد ما تكره أن الله أنعم على هذا الرجل بنعمة فأنت حاسد.
"وَلا تَنَاجَشوا" أي لا ينجش بعضكم على بعض، وهذا في المعاملات، ففي البيع المناجشة: أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها، لكن يريد الإضرار بالمشتري أو نفع البائع، أو الأمرين معاً .
مثال ذلك:عرضت سلعة في السوق فسامها رجل بمائة ريال، هذا الرجل السائم تعدى عليه رجل آخر وقال:بمائة وعشرة قصده الإضرار بهذا السائم وزيادة الثمن عليه، فهذا نجش.
ورجل آخر رأى رجلاً يسوم سلعة وليس بينه وبين السائم شيء، لكن السلعة لصديق له، فأراد أن يزيد من أجل نفع صديقه البائع، فهذا حرام ولا يجوز.
ورجل ثالث: أراد الإضرار بالمشتري ونفع البائع فهذا أيضاً حرام.
قال: "وَلا تَبَاغَضوا" أي لا يبغض بعضكم بعضاً ، والبغضاء لا يمكن تعريفها، تعريفها لفظها:كالمحبة والكراهة، والمعنى: لا تسعوا بأسباب البغضاء.
وإذا وقع في قلوبكم بغض لإخوانكم فاحرصوا على إزالته وقلعه من القلوب.
"وَلا تَدَابَروا" إما في الظهور بأن يولي بعضكم ظهر بعض، أولا تدابروا في الرأي، بأن يتجه بعضكم ناحية والبعض الآخر ناحية أخرى.
"وَلاَ يَبِع بَعضُكُم عَلَى بَيعِ بَعضٍ" مثال ذلك:رأيت رجلاً باع على آخر سلعة بعشرة،فأتيت إلى المشتري وقلت: أنا أعطيك مثلها بتسعة،أو أعطيك خيراً منها بعشرة،فهذا بيع على بيع أخيه، وهو حرام.
"وَكونوا عِبَادَ اللهِ إِخوانَاً" أي صيروا مثل الإخوان،ومعلوم أن الإخوان يحب كل واحد منهم لأخيه ما يحب لنفسه.
وقوله: "عِبَادَ اللهِ" جملة اعتراضية،المقصود منها الحث على هذه الإخوة .
ثم قال: "المُسلِمُ أَخو المُسلِمِ" أي مثل أخيه في الولاء والمحبة والنصح وغير ذلك.
" لاَ يَظلِمهُ" أي لا ينقصه حقه بالعدوان عليه، أو جحد ما له ، سواء كان ذلك في الأمور المالية ،أو في الدماء،أو في الأعراض، في أي شيء.
" وَلاَ يَخذُلُهُ" أي لا يهضمه حقه في موضوع كان يحب أن ينتصر له.
مثاله:أن يرى شخصاً مظلوماً يتكلم عليه الظالم، فيقوم هذا الرجل ويزيد على الذي يتكلم عليه ولا يدافع عن أخيه المخذول ، بل الواجب نصر أخيه ولا يكذبه أي لا يخبره بالكذب، الكذب القولي أو الفعلي.
مثال القولي:أن يقول حصل كذا وكذا وهو لم يحصل.
ومثال الفعلي: أن يبيع عليه سلعة مدلسة بأن يظهر هذه السلعة وكأنها جديدة، لأن إظهاره إياها على أنها جديدة كأنه يقول بلسانه هي جديدة، فلا يحل له أن يكذبه لا بالقول ولا بالفعل.
" وَلاَ يَحْقِرُهُ" أي لا يستصغره، ويرى أنه أكبر منه، وأن هذا لا يساوي شيئاً,
ثم قال: "التَّقوى هَاهُنا" يعني تقوى الله عزّ وجل في القلب وليست في اللسان ولا في الجوارح،وإنما اللسان والجوارح تابعان للقلب.
"وَيُشيرُ إِلَى صَدرِهِ ثَلاثَ مِرَاتٍ" يعني قال: التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، تأكيداً لكون القلب هو المدبر للأعضاء.
ثم قال: "بِحَسبِ امرُىءٍ مِنَ الشَّرِّ" الباء هذه زائدة، وحسب بمعنى كافٍ و "أَن يَحْقِرُهُ" مبتدأ والتقدير حقر أخيه كافٍ في الشر، وهذه الجملة تتعلق بقوله: "وَلا يحَقِرَهُ" أي يكفي الإنسان من الإثم أن يحقر أخاه المسلم، لأن حقران أخيك المسلم ليس بالأمر الهين.
"كُل المُسلِم عَلَى المُسلِم حَرَام" ثم فسر هذه الكلية بقوله: "دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرضُهُ" يعني أنه لا يجوز انتهاك دم الإنسان ولا ماله ولا عرضه،كله حرام.
من فوائد هذا الحديث:
1-أن هذا الحديث العظيم ينبغي للإنسان أن يسير عليه في معاملته إخوانه، لأنه يتضمن توجيهات عالية من النبي صلى الله عليه وسلم.
.2تحريم الحسد لقوله "لاَ تَحَاسَدوا".
وهل النهي عن وقوع الحسد من الجانبين ، أو من جانب واحد؟
الجواب:من جانب واحد،يعني لو فرضنا إنساناً يريد أن يحسد أخاه وذاك قلبه سليم لا يحسد صار هذا حراماً، فيكون التفاعل هنا في قوله "لا تَحَاسَدوا" ليس من شرطه أن يكون من الجانبين،كما إذا قلت: لا تقاتلوا يكون القتال من الجانبين.
فإن قال قائل: ما يرد على القلب أحياناً من محبة كون الإنسان أعلى من أخيه، فهل يدخل في الحسد؟
فالجواب:لا، لأن الرجل لم يكره نعمة الله عزّ وجل على هذا العبد،لكن أحب أن يفوقه، وهذا شيء طبيعي، ولذلك لما ألقى النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه السؤال: أن من الشجر شجرة مثلها مثل المؤمن، كلهم لم يعرفوها، ذكروا أشياء من الشجر لكنها لم تكن إياه، وابن عمر رضي الله عنهما يقول:وقع في قلبي أنها النخلة،ولكني أصغر القوم فلم أتكلم، قال أبوه:وددت أنك قلت هذا[240] ،لأنه إذا قالها تفوق على الحاضرين.
فإن وقع في قلبه حسد لشخص ولكنه يدافعه ولم يعتد على الشخص، فهل يؤاخذ به؟
الجواب:لا يؤاخذ،لكنه ليس في حال الكمال، لأن حال الكمال أن لا تحسد أحداً،وأن ترى نعمة الله عزّ وجل على غيرك كنعمته عليك،لكن الإنسان بشر قد يقع في قلبه أن يكره ما أنعم الله به على هذا الشخص من علم أو مال أو جاه أو ما أشبه ذلك،لكنه لا يتحرك ولا يسعى لإضرار هذا المحسود، فنقول: هذا ليس عليه شيء،لأن هذا أمر قد يصعب التخلص منه، إلا أنه لو لم يكن متصفاً به لكان أكمل وأطيب للقلب، وفي الحديث إِذَا "ظَنَنتَ فَلاَ تُحَقق، وَإِذَا حَسَدتَ فَلاَ تَبغِ"[241].
فمن الناس من إذا حسد بغى فتجده مثلاً يتكلم في الشخص المرموق عند الناس الذي يعتبر رمزاً للإنفاق في سبيل الله وفي الصدقات، ثم يأخذ بمدحه ويقول:لكنه يتعامل بالربا، فإذا قال هذه الكلمة معناها أنه أهبط ميزانه عند الناس، وهذا حسد ببغي والعياذ بالله.
وكذلك مع العلماء، وأكثر ما يكون الحسد بين المتفقين في مهنة، كالحسد بين العلماء، والحسد بين التجار،والحسد بين أهل الصنائع،هذا الغالب ،وإلا فمن المعلوم أنه لا يأتي نجار مثلاً يحسد عالماً.
والحسد على مراتب:
الأولى: أن يتمنى أن يفوق غيره، فهذا جائز، بل وليس بحسد.
الثانية:أن يكره نعمة الله عزّ وجل على غيره،ولكن لا يسعى في تنزيل مرتبة الذي أنعم الله عزّ وجل عليه ويدافع الحسد، فهذا لا يضره،ولكن غيره أكمل منه.
الثالثة:أن يقع في قلبه الحسد ويسعى في تنزيل مرتبة الذي حسده، فهذا هو الحسد المحرم الذي يؤاخذ عليه الإنسان.
والحسد من خصال اليهود،كما قال الله تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ )(البقرة: الآية109) قال الله تعالى في ذمهم )أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (النساء:54) والحسد يضر صاحبه لأن الحاسد لا يبقى مسروراً- والعياذ بالله- إذ إن نعم الله على العباد تترى ولا منتهى لها، وهذا الرجل كلما رأى نعمة من الله على غيره زاد غماً وهماً.
والحسد اعتراض على قدر الله عزّ وجل لأنه يريد أن يتغير المقدور،ولله الحكمة فيما قدره.
والحسد في الغالب تحدث فيه معاصٍ:كالعدوان على الغير، والمخاصمة، ونشر المعائب وغير ذلك، ولهذا يجب على المسلم أن يتجنبه كما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم .
.3تحريم المناجشة ولو من جانب واحد،وسبق أن النجش في البيع:هو أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها، وضربنا لهذا أمثلة.
ولكن لو أن الرجل يزيد في السلعة من أجل أن يربح منها، بمعنى أنه لا يريدها، بل يريد الربح منها،فلما ارتفع سعرها تركها، فهل يعد هذا نجشاً؟
الجواب:لا يعد هذا نجشاً،لأن هذا له غرض صحيح في الزيادة،وهو إرادة التكسب،كما لو كان يريد السلعة، وهذا يقع كثيراً بين الناس، تُعرَض السلعة والإنسان ليس له رغبة فيها ولا يريدها، ولكن رآها رخيصة فجعل يزيد فيها حتى إذا بلغت ثمناً لا يرى معه أن فيها فائدة تركها، فنقول: هذا لا بأس به، لأنه لم يرد إضرار الآخرين إنما ظن أن فيها فائدة فلما رأى أن لا فائدة تركها.
.4النهي عن التباغض،وإذا نُهي عن التباغض أمر بالتحاب، وعلى هذا فتكون هذه الجملة مفيدة لشيئين:
الأول: النهي عن التباغض، وهو منطوقها.
والثاني:الأمر بالتحاب، وهو مفهومها.
ولكن إذا قال قائل: كيف نتصرف في التباغض، والبغضاء والمحبة ليست باختيار الإنسان، ولهذا لما ذكر العلماء- رحمهم الله - أن الرجل المتزوج لأكثر من واحدة يلزمه العدل قالوا: إلا في المحبة ، وعللوا ذلك بأن المحبة لا يمكن السيطرة عليها وكذلك البغضاء؟
فالجواب على هذا: أن نقول:المحبة لها أسباب، والبغضاء لها أسباب، فابتعد عن أسباب البغضاء وأكثر من أسباب المحبة ، فمثلاً إذا كنت أبغضت شخصاً لأنه عمل عملاً ما، فاذكر محاسنه حتى تزيل عنك هذه البغضاء، وإلا ستبقى على ما أنت عليه من بغضائه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "لاَ يَفرك مؤمِن مؤمِنَة إِن كَرِهَ مِنهَا خُلُقَاً رَضيَ مِنهَا خُلُقاً آخر"[242] أي لا يبغض الرجل زوجته لأنها أساءت في خلق واحد، بل يقارن:إن كره خلقاً منها رضي منها خلقاً آخر.
كذلك المحبة:يذكر بقلبه ما يكون سبباً لمحبة الرجل من الخصال الحميدة والآداب العالية وما أشبه ذلك.
فالبغضاء لها سبب والمحبة لها سبب، فليفعل أسباب المحبة وليتجنب أسباب البغضاء.
.5النهي عن التدابر،سواء بالأجسام أو بالقلوب.
التدابر بالأجسام بأن يولي الإنسان ظهره ظهر أخيه، لأن هذا سوء أدب،ويدل على عدم اهتمامه به، وعلى احتقاره له، ويوجب البغضاء.
والتدابر القلبي بأن يتجه كل واحد منا إلى جهة أخرى،بأن يكون وجه هذا يمين ووجه هذا شمال، ويتفرع على هذا:
وجوب الاجتماع على كلمة واحدة بقدر الإمكان، فلنقرب الهوة بيننا حتى نكون على هدف واحد ،وعلى منهاج واحد، وعلى طريق واحد،وإلا حصل التدابر .
وانظر الآن الأحزاب الموجودة في الأمم كيف هم متدابرون في الواقع، كل واحد يريد أن يقع الآخر في شرك الشر، لأنهم متدابرون.
فالتدابر حرام، ولا سيما التدابر في القلوب،لما يترتب عليه من الفساد.
.6تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، ومثاله سبق ذكره في الشرح.
وهل هذا يشمل ما كان بعد زمن الخيار، وما كان في زمن الخيار، أو خاص فيما إذا كان ذلك في زمن الخيار؟
الجواب:في هذا للعلماء قولان:
القول الأول:إن تحريم البيع على بيع أخيه إذا كان هناك خيار، لأنه إذا كان هناك خيار تمكن من فسخ البيع، وأما إذا لم يكن خيار فلا حرج.
وأضرب لهذا مثلاً: زيد باع سلعة على عمرو بمائة ريال، وجاء بكر وقال لعمرو:أنا أعطيك مثلها بتسعين ريالاً، فهل هذا حرام،سواء كان في زمن الخيار أو بعد زمن الخيار، أو خاص بزمن الخيار؟
ننظر:إذا كان البائع قد أعطى المشتري مهلة ثلاثة أيام خيار، وبكر جاء إلى عمرو في هذه المدة،وقال:أنا أعطيك مثلها بتسعين، هنا يتمكن عمرو من فسخ البيع لأنه يوجد خيار.
أما إذا لم يكن خيار بأن باع زيد على عمرو هذه السلعة بمائة ريال وتقابضا،ولا خيار بينهما،ثم جاء بكر بعد ذلك،وقال لعمرو: أنا أعطيك مثلها بتسعين ريالاً ،فهل هذا حرام أو ليس بحرام؟
اختلف في هذا العلماء رحمهم الله فمنهم من قال: إن هذا حرام لعموم قوله: "وَلا يَبِع بَعضُكُم عَلَى بَيعِ بَعضٍ" ، ومنهم من قال:إنه ليس بحرام،لأنه لا خيار للمشتري، فلو أراد أن يفسخ البيع ويعقد مع بكر لم يحصل له ذلك.
والصحيح أنه عام لما كان بعد زمن الخيار أو قبله،لأنه إذا كان قبل زمن الخيار فالأمر واضح بأن يفسخ البيع ويشتري من الثاني، لكن بعد زمن الخيار أيضاً لا يجوز لأنه يترتب عليه مفاسد:
أولاً: أن المشتري يكون في قلبه حقد على البائع، ويقول: هذا الرجل غلبني وخدعني.
ثانياً:أن المشتري يندم ويقول: كيف أشتري هذا بمائة وهو بتسعين،وإدخال الندم على المسلم محرم.
ثالثاً: أنه ربما يسعى المشتري إلى إحداث عيب في السلعة، أو إلى دعوى اختلال شرط من الشروط من أجل أن يفسخ البيع.
فلذلك كان القول الراجح في هذه المسألة:إن بيع المسلم على المسلم حرام، سواء كان في زمن الخيار أو بعد زمن الخيار .
وهل يقال:إن شراء الإنسان على شراء أخيه كبيعه على بيع أخيه؟
فالجواب:نعم، إذ إن المعنى واحد، ومثال الشراء على شراء أخيه، أن يبيع زيد على عمرو سلعة بمائة، فيذهب بكر إلى زيد- البائع - ويقول:أنا أشتريها منك بمائة وعشرين، فهذا حرام لما فيه من العدوان، وإحداث العداوة والبغضاء والنزاع بين الناس.
وسبق لنا: هل هذا خاص في زمن الخيار أو هو عام؟ وبينَّا أن القول الراجح إنه عام.
.7وجوب الأخوة الإيمانية، لقوله صلى الله عليه وسلم "وَكونوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانَاً".
ولكن كيف يمكن أن يحدث الإنسان هذه الأخوة؟
فالجواب:أن يبتعد عن كل تفكير في مساوئ إخوانه، وأن يكون دائماً يتذكر محاسن إخوانه،حتى يألفهم ويزول ما في قلبه من الحقد.
ومن ذلك: الهدايا، فإن الهدية تُذهِب السخيمة وتوجب المودة.
ومن ذلك:الاجتماع على العبادات ولا سيما على الصلوات الخمس والجمع والأعياد،فإن هذا يوجب المودة والأخوة، والأسباب كثيرة، والموانع كثيرة أيضاً، لكن يجب أن يدافع الموانع.
.8أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر أن نكون إخواناً بيّن حال المسلم مع أخيه
.9أن المسلم على المسلم حرام : دمه و ماله و عرضه.
.10أنه لا يجني عليه بأي جناية تريق الدم أو بأي جناية تنقص المال،سواء كان بدعوى ما ليس له أو بإنكار ما عليه.
.11تحريم عرض المسلم، يعني غيبته،فغيبة المسلم حرام، وهي من كبائر الذنوب كما قال ابن عبد القوي في منظومته:
وقد قيل صغرى غيبة ونميمة وكلتاهما كبرى على نص أحمد
والغيبة فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها: "ذكرك أخاك بما يكره في غيبته"[243] فإن كان في حضوره فهو سب وليس بغيبة، لأنه حاضر يستطيع أن يدافع عن نفسه، وقد شبهها الله عزّ وجل بأكل لحم الميت تقبيحاً لها حتى لا يقدم أحد عليها.
واعلم أن الغيبة تختلف مراتبها باختلاف ما ينتج عنها، فغيبة الأمراء أعظم من غيبة عامة الناس، لأن غيبتهم تؤدي إلى كراهتهم، وإلى التمرد عليهم، وإلى عدم تنفيذ أوامرهم التي يجب تنفيذها،وربما تؤدي إلى الخروج المسلح عليهم، فيحصل بذلك من الشر ما الله به عليم.
كذلك أيضاً غيبة العلماء أشد من غيرهم، لأن غيبة العلماء تتضمن الاعتداء على أشخاصهم،وتتضمن الاعتداء على ما يحملونه من الشريعة، لأن الناس إذا خف ميزان العالم عندهم لم يقبلوا منه.
ولذلك أحذركم ما حذرتكم به من قبل، من أولئك القوم الذين أعتبرهم مفسدين في الأرض، فيأتون في المجالس يغتابون فلاناً وفلاناً، مع أنك لو فكرت لوجدت عندهم من العيوب أكثر مما يعيبون به هذا الشخص، احذروا هؤلاء، لا تركنوا إليهم وانبذوهم من مجالسكم نبذاً،لأنهم مفسدون في الأرض،سواء قصدوا أو لم يقصدوا، فالفساد متى حصل فصاحبه مفسد،لكن مع نية الإفساد يكون ضرره أكثر وأعظم .
كما أن التشبه بالكفار مثلاً متى حصل ولو بغير قصد التشبه ثبت حكمه،ومع نية التشبه يكون أعظم.
.12أنه لا يحل ظلم المسلم بأي نوع من أنواع الظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة،وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "مَنْ تَعَدُّونَ المُفلِسَ فيكُم؟" قَالوا: الذي لَيسَ عِندَهُ دِرهَم وَلاَ دينَار - أَو وَلاَ مَتَاع- قَالَ: "المُفلِس مَنْ يَأتي يَومَ القيامَةِ بِحَسَنَات ٍأَمثَالِ الجِبَالِ، فَيَأَتي وَقَد ضَرَبَ هَذا، وَشَتَمَ هَذا، وَأَخَذَ مَالَ هَذا، فَيَأخُذُ هَذا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذا مِنْ حَسَنَاتِهِ،وَهَذا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِن لَمْ يَبقَ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيء أُخِذَ مِنْ سَيئَاتِهِم فَطُرِحَ عَلَيهِ ثُمَ طُرِحَ في النَّارِ"[244].
.13وجوب نصرة المسلم، وتحريم خذلانه، لقوله: "وَلاَيَخذلهُ" ويجب نصر المسلم،سواء كان ظالماً أو مظلوماً،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "انصُر أَخَاكَ ظَالِمَاً أَو مَظلُومَاً" قَالوا: يَارَسُول الله هَذا المَظلوم، فَكَيفَ نَنصُرُ الظَالِمَ؟ قَالَ: "تَمنَعهُ مِنْ الظلم فَذلِكَ نَصرُكَ إيَّاهُ"[245] وأنت إذا منعته من الظلم فقد نصرته على نفسه، وأحسنت إليه أيما إحسان.
.14وجوب الصدق فيما يخبر به أخاه، وأن لا يكذب عليه، بل ولا غيره أيضاً،لأن الكذب محرم حتى ولو كان على الكافرين، لكن ذكره في حق المسلم لأن السياق في ذلك.
فإن قال قائل: ما تقولون في التورية؟
فالجواب: التورية فيها تفصيل:
.1إن أدت إلى باطل فهي حرام.
.2 إن أدت إلى واجب فهي واجبة.
.3 إن أدت إلى مصلحة أو حاجة فجائزة.
.4-أن لا يكون فيها هذا ولا هذا ولا هذا،فاختلف العلماء فيها: هل تجوز أو لا تجوز؟
والأقرب أنه لا يجوز الإكثار منها، وأما فعلها أحياناً فلا بأس لا سيما إذا أخبر صاحبه بأنه مورٍّ، لنضرب لهذا أمثالاً خمسة:
المثال الأول في التورية المحرمة التي تؤدي إلى الباطل: تخاصم شخصان عند القاضي فقال أحدهما لي في ذمة فلان ألف ريال، فهذه دعوى، فأنكر المدعى عليه فنقول للمدعي:هات البينة.فقال:ليس عندي بينة، فإذا قال هذا توجهت اليمين على المدعي عليه، فأقسم المدعى عليه قال: والله ما له عندي شيء.
وأراد بـ ( ما) اسم الموصول، اسم الموصول يعني: الذي ، أي الذي له عندي شيء، وهو صحيح، أن ألف ريال شيء، فهذه تورية حرام لأنها تؤدي إلى محرم، أي أكل المال بالباطل.
ثم إن هذا الرجل لا ينجو في الآخرة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يَمينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ"[246] .
المثال الثاني: التورية الواجبة:مثل أن يسأل ظالم عن مكان شخص يريد أن يقتله، فسأل رجلاً،وقال:أتدري أين فلان؟وهو يدري أنه في المكان الفلاني، فقال: لا أدري،وينوي لا أدري عن كل أحواله، فقال له: هل هو في هذا البيت؟وهو يدري أنه في البيت، فقال:ليس في البيت،وينوي ليس في السطح مثلاً أو ليس في الدور الأسفل، أوليس في الحجرة الفلانية .
فهذه التورية حكمها الوجوب، لأن فيها إحياء نفس.
المثال الثالث:أن تكون التورية لمصلحة:سأل رجل عن شخص في حلقة علم فقال الحاضرون:ليس هاهنا.ويشيرون إلى شيء ليس هو فيه، بل هو في مكان آخر،فهذه مصلحة.
ويذكر أن الإمام أحمد -رحمه الله - كان في جلسة فجاء رجل يسأل عن المروذي، فقال الإمام أحمد:ليس المروذي هاهنا،وما يصنع المروذي هاهنا.وأشار إلى يده، يعني أنه ليس في يده وهو ليس في يده، لكنه حاضر.
المثال الرابع:أن تكون التورية لحاجة: كأن يلجئك رجل في سؤال عن أمور بيتك، وأنت لا تريد أن تخبره عن أمور بيتك، فهنا تحتاج إلى التورية،فإذا قال مثلاً: أنت تفعل في بيتك كذا وكذا ، وأنت لا تحب أن يطلع على هذا، فتقول:أنا لا أفعل. وتنوي لا تفعل في زمن لست تفعل فيه هذا الذي سأل عنه،فالزمن متسع فمثلاً:أنت تفعله في الضحى فتقول:أنا لا أفعل هذا يعني في الصباح والمساء، فهذه حاجة.
المثال الخامس: أن لا تكون التورية لحاجة ولا لمصلحة ولا واجب ولا حرام، فهذه مختلف فيها،فقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - لا تحل التورية ، وقال إنها حرام،لأن التورية ظاهرها يخالف باطنها، إذ إن معنى التورية أن ينوي بلفظه ما يخالف ظاهره، ففيها نوع من الكذب،فيقول:إنها لا تجوز.
وفيها أيضاً مفسدة وهي:أنه إذا أطلِعَ أن الأمر خلاف ما فهمه المخاطب وصف هذا الموري بالكذب وساء ظنه فيه وصار لا يصدقه، وصار هذا الرجل يلعب على الناس، وما قاله الشيخ - رحمه الله تعالى - قوي بلا شك.
لكن لو أن الإنسان فعل ذلك أحياناً فأرجو أن لا يكون فيه حرج ،لا سيما إن أخبر صاحبه فيما بعد،وقال:إني قلت كذا وكذا،وأريد كذا وكذا،خلاف ظاهر الكلام،والناس قد يفعلون ذلك على سبيل المزاح، مثل أن يقول لك صاحبك:متى تزورني؟أنا أحب أن تزورني، فقلت له:بعد غد،هو سيفهم بعد غد القريب،وأنت تريد بعد غد مالا نهاية له إلى يوم القيامة، وهذا يؤخذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه في صلح الحديبية لما قال للرسول صلى الله عليه وسلم :ألست تحدثنا أننا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال:نعم،لكني لم أقل هذا العام وإنك آتيه ومطوف به[247].
وجرت لشيخنا عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - قصة حول هذا الموضوع،جاءه رجل في آخر شهر ذي الحجة، أي باقي أيام على انقضاء السنة، وقال له:يا شيخ نريد وعداً، فقال: هذه السنة لا يمكن أن أواعدك فيها،فظن المتكلم أنها اثنا عشر شهراً، فغضب،ولما رآه الشيخ غضب فقال له:لم يبق في السنة إلا عشرة أيام أو نحوها، فاقتنع الرجل، فمثل هذا لا بأس به أحياناً لا سيما إذا أخبر صاحبه.
.15تحريم احتقار المسلم مهما بلغ في الفقر وفي الجهل، فلا تحتقره، قال النبي صلى الله عليه وسلم "رُبَّ أَشعَثَ أَغبَرَ مَدفوعٌ بالأَبوابِ لَو أَقسَمَ عَلَى اللهِ لأَبرَّهُ "[248].
أشعث أغبر لا يستطيع أن ينظف نفسه، مدفوع بالأبواب لا يُفتح له، وإذا فتح له أحد عرف أنه فلان رد الباب عليه،فدفعه بالباب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "لَو أَقسَمَ عَلَى اللهِ لأَبرَّهُ" فكيف تحتقر أخاك المسلم؟!.
ولعل يوماً من الدهر يكون أعلى منك، ولهذا قال الشاعر الجاهلي:
لا تهين الفقير علك أن تر كع يوماً والدهر قد رفعه
تركع يوماً: أي تذل، وهذا أمر مشاهد، كم من أناس كانوا فقراء في أول حياتهم لا يؤبه لهم فصاروا قادة وصاروا أغنياء.
إذاً لا تحقر أخاك المسلم،حتى لو سألته عن مسألة كلٌّ يفهمها وهو لم يفهمها لا تحتقره، فلعل الله يفتح عليه ويتعلم من العلم ما يكون به أعلم منك.
.16أن التقوى محلها القلب، لقوله: "التَّقوَى هَاهُنَا،وَأَشَارَ إِلَى صَدرِهِ" يعني في قلبه.
.17أن الفعل قد يؤثر أكثر من القول في المخاطبات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بإمكانه أن يقول: التقوى في القلب، لكنه قال: التقوى هاهنا وأشار إلى صدره، لأن المخاطب يتصور هذه الصورة ويتخيلها في ذهنه، وقد مر علينا أمثلة من هذا من الصحابة وغيرهم.
.18الرد على أولئك المجادلين بالباطل الذين إذا فعلوا معصية بالجوارح ونُهوا عنها قالوا: التقوى هاهنا ، فما جوابنا على هذا الجدلي؟
جوابنا أن نقول: لو اتقى ما هاهنا لاتقت الجوارح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَلا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَة إِذَا صَلحَت صَلحَ الجَسَد كُلهُ،وَإِذا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُهُ أَلاَ وَهِيَ القَلب"[249].
.19عظمة احتقار المسلم، لقوله: "بِحَسبِ امرئ مِنَ الشَّرِِّأَن يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسلِم".
20- وجوب احترام المسلم في هذه الأمور الثلاثة: دمه وماله و عرضه،والله الموفق.
--------------------------------------------------------------------------------
[239] أخرجه مسلم – كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله، (2564)،(32)
[240] أخرجه البخاري – كتاب: العلم، طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم، (62). ومسلم – كتاب: الجنة والنار، باب: مثل المؤمن مثل النخلة، (2811)،(64)
[241] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير – ج3/ص288، (3227)، وابن عمبر الشيباني في الآحاد والمثاني، ج4/ص18، (1962)
[242] أخرجه مسلم – كتاب: الرضاع، باب: الوصية بالنسائ، (1469)، (61)
[243] أخرجه مسلم – كتاب البر والصلة والآداب، باب: تحريم الغيبة، (2589)، (70).
[244] أخرجه البخاري – كتاب: البر والصلة والأداب، باب: تحريم الظلمن (2581)،(59)
[245] أخرجه البخاري – كتاب: المظالم، باب: أعن أخاك ظالماً أو مظلوماً، (2444).
[246] أخرجه مسلم – كتاب: الأيمان، باب: يمين الحالف على نية المستحلف، (1653)،(20).
[247] أخرجه البخاري – كتاب: الشروط، باب: الشروط في الجهاد، (2731)،(2732).
[248] أخرجه مسلم – كتاب: البر والصلة والآداب، باب: فضل الضعفاء والخاملين، (2622)، (138).
[249] سبق تخريجه صفحة (105)
|
|
|
10-13-2012
|
#937
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
--- فاصل ونواصل ---
... قصة أصحاب الكهف ...
موقع القصة في القرآن الكريم:
ورد ذكر القصة في سورة الكهف الآيات 9-26.
القصة:
في زمان ومكان غير معروفين لنا الآن، كانت توجد قرية مشركة. ضل ملكها وأهلها عن الطريق المستقيم، وعبدوا مع الله مالا يضرهم ولا ينفعهم. عبدوهم من غير أي دليل على ألوهيتهم. ومع ذلك كانوا يدافعون عن هذه الآلهة المزعومة، ولا يرضون أن يمسها أحد بسوء. ويؤذون كل من يكفر بها، ولا يعبدها.
في هذه المجتمع الفاسد، ظهرت مجموعة من الشباب العقلاء. ثلة قليلة حكّمت عقلها، ورفضت السجود لغير خالقها، الله الذي بيده كل شيء. فتية، آمنوا بالله، فثبتهم وزاد في هداهم. وألهمهم طريق الرشاد.
لم يكن هؤلاء الفتية أنبياء ولا رسلا، ولم يتوجب عليهم تحمل ما يتحمله الرسل في دعوة أقواهم. إنما كانوا أصحاب إيمان راسخ، فأنكروا على قومهم شركهم بالله، وطلبوا منهم إقامة الحجة على وجود آلهة غير الله. ثم قرروا النجاة بدينهم وبأنفسهم بالهجرة من القرية لمكان آمن يعبدون الله فيه. فالقرية فاسدة، وأهلها ضالون.
عزم الفتية على الخروج من القرية، والتوجه لكهف مهجور ليكون ملاذا لهم. خرجوا ومعهم كلبهم من المدينة الواسعة، للكهف الضيق. تركوا وراءهم منازلهم المريحة، ليسكنوا كهفا موحشا. زهدوا في الأسرّة الوثيرة، والحجر الفسيحة، واختاروا كهفا ضيقا مظلما.
إن هذا ليس بغريب على من ملأ الإيمان قلبه. فالمؤمن يرى الصحراء روضة إن أحس أن الله معه. ويرى الكهف قصرا، إن اختار الله له الكهف. وهؤلاء ما خرجوا من قريتهم لطلب دنيا أو مال، وإنما خرجوا طمعا في رضى الله. وأي مكان يمكنهم فيه عبادة الله ونيل رضاه سيكون خيرا من قريتهم التي خرجوا منها.
استلقى الفتية في الكهف، وجلس كلبهم على باب الكهف يحرسه. وهنا حدثت معجزة إلاهية. لقد نام الفتية ثلاثمئة وتسع سنوات. وخلال هذه المدة، كانت الشمس تشرق عن يمين كهفهم وتغرب عن شماله، فلا تصيبهم أشعتها في أول ولا آخر النهار. وكانوا يتقلبون أثناء نومهم، حتى لا تهترئ أجاسدهم. فكان الناظر إليهم يحس بالرعب. يحس بالرعب لأنهم نائمون ولكنهم كالمستيقظين من كثرة تقلّبهم.
بعد هذه المئين الثلاث، بعثهم الله مرة أخرى. استيقضوا من سباتهم الطويل، لكنهم لم يدركوا كم مضى عليهم من الوقت في نومهم. وكانت آثار النوم الطويل بادية عليهم. فتساءلوا: كم لبثنا؟! فأجاب بعضهم: لبثنا يوما أو بعض يوم. لكنهم تجاوزوا بسرعة مرحلة الدهشة، فمدة النوم غير مهمة. المهم أنهم استيقظوا وعليهم أن يتدبروا أمورهم.
فأخرجوا النقود التي كانت معهم، ثم طلبوا من أحدهم أن يذهب خلسة للمدينة، وأن يشتري طعاما طيبا بهذه النقود، ثم يعود إليهم برفق حتى لا يشعر به أحد. فربما يعاقبهم جنود الملك أو الظلمة من أهل القرية إن علموا بأمرهم. قد يخيرونهم بين العودة للشرك، أو الرجم حتى الموت.
خرج الرجل المؤمن متوجها للقرية، إلا أنها لم تكن كعهده بها. لقد تغيرت الأماكن والوجوه. تغيّرت البضائع والنقود. استغرب كيف يحدث كل هذا في يوم وليلة. وبالطبع، لم يكن عسيرا على أهل القرية أن يميزوا دهشة هذا الرجل. ولم يكن صعبا عليهم معرفة أنه غريب، من ثيابه التي يلبسها ونقوده التي يحملها.
لقد آمن المدينة التي خرج منها الفتية، وهلك الملك الظالم، وجاء مكانه رجل صالح. لقد فرح الناس بهؤلاء الفتية المؤمنين. لقد كانوا أول من يؤمن من هذه القرية. لقد هاجروا من قريتهم لكيلا يفتنوا في دينهم. وها هم قد عادوا. فمن حق أهل القرية الفرح. وذهبوا لرؤيتهم.
وبعد أن ثبتت المعجزة، معجزة إحياء الأموات. وبعدما استيقنت قلوب أهل القرية قدرة الله سبحانه وتعالى على بعث من يموت، برؤية مثال واقي ملموس أمامهم. أخذ الله أرواح الفتية. فلكل نفس أجل، ولا بد لها أن تموت. فاختلف أهل القرية. فمن من دعى لإقامة بنيان على كهفهم، ومنهم من طالب ببناء مسجد، وغلبت الفئة الثانية.
لا نزال نجهل كثيرا من الأمور المتعلقة بهم. فهل كانوا قبل زمن عيسى عليه السلام، أم كانوا بعده. هل آمنوا بربهم من تلقاء نفسهم، أم أن أحد الحواريين دعاهم للإيمان. هل كانوا في بلدة من بلاد الروم، أم في فلسطين. هل كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم، أم خمسة سادسهم كلبهم، أم سبعة وثامنهم كلبهم. كل هذه أمور مجهولة. إلا أن الله عز وجل ينهانا عن الجدال في هذه الأمور، ويأمرنا بإرجاع علمهم إلى الله. فالعبرة ليست في العدد، وإنما فيما آل إليه الأمر. فلا يهم إن كانوا أربعة أو ثمانية، إنما المهم أن الله أقامهم بعد أكثر من ثلاثمئة سنة ليرى من عاصرهم قدرة الله على بعث من في القبور، ولتتناقل الأجيال خبر هذه المعجزة جيلا بعد جيل.
|
|
|
10-13-2012
|
#938
|
10-13-2012
|
#939
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
--- شرح الاربعين النوويه --- للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ---
الحديث السابع والثلاثون
عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم فِيْمَا يَرْوِيْهِ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ الله كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ؛ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً،وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمائَةِ ضِعْفٍ إِلىَ أَضْعَاف كَثِيْرَةٍ. وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً،وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً)[256] رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ في صَحِيْحَيْهِمَا بِهَذِهِ الحُرُوْفِ.
الشرح
قوله "فيمَا يَرويهِ عَنْ رَبِّهِ" يسمى هذا الحديث عند العلماء حديثاً قدسياً.
قوله "كَتَبَ" أي كتب وقوعها وكتب ثوابها، فهي واقعة بقضاء الله وقدره المكتوب في اللوح المحفوظ، وهي أيضاً مكتوب ثوابها كما سيبين في الحديث.
أما وقوعها: ففي اللوح المحفوظ.
وأما ثوابها: فبما دل عليه الشرع.
" ثُمَ بَيَّنَ ذَلِك" أي فصله.
"فَمَن هم بِحَسَنةٍ فَلَم يَعمَلهَا كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً" والمهم هنا ليس مجرد حديث النفس، لأن حديث النفس لا يكتب للإنسان ولا عليه، ولكن المراد عزم على أن يفعل ولكن تكاسل ولم يفعل، فيكتبها الله حسنة كاملة.
فإن قيل: كيف يثاب وهو لم يعمل؟
فالجواب: يثاب على العزم ومع النية الصادقة تكتب حسنة كاملة.
واعلم أن من هم بالحسنة فلم يعملها على وجوه:
الوجه الأول:أن يسعى بأسبابها ولكن لم يدركها، فهذا يكتب له الأجر كاملاً، لقول الله تعالى: ( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )(النساء: الآية100)
وكذلك الإنسان يسعى إلى المسجد ذاهباً يريد أن يصلي صلاة الفريضة قائماً ثم يعجز أن يصلي قائماً فهذا يكتب له أجر الصلاة قائماً، لأنه سعى بالعمل ولكنه لم يدركه.
الوجه الثاني:أن يهم بالحسنة ويعزم عليها ولكن يتركها لحسنة أفضل منها،فهذا يثاب ثواب الحسنة العليا التي هي أكمل، ويثاب على همه الأول للحسنة الدنيا،ودليل ذلك أن رجلاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة،وقال:يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس؟ فقال: "صَلِِّ هَاهُنَا" فكرر عليه، فقال له "شَأنُكَ إذاً"[257] فهذا انتقل من أدنى إلى أعلى.
الوجه الثالث:أن يتركها تكاسلاً، مثل أن ينوي أن يصلي ركعتي الضحى،فقرع عليه الباب أحد أصحابه وقال له:هيا بنا نتمشى،فترك الصلاة وذهب معه يتمشى،فهذا يثاب على الهم الأول والعزم الأول، ولكن لا يثاب على الفعل لأنه لم يفعله بدون عذر،وبدون انتقال إلى ما هو أفضل.
"وَإِن هَمَّ بِهَا فَعمَلَهَا" تكتب عشر حسنات - والحمد لله - ودليل هذا من القرآن قول الله تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (الأنعام:160)
"كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ عَشرَ حَسَنَاتٍ" هذه العشر حسنات كتبها الله على نفسه ووعد به وهو لا يخلف الميعاد.
"إلى سَبعمَائةِ ضِعف" وهذا تحت مشيئة الله تعالى، فإن شاء ضاعف إلى هذا، وإن شاء لم يضاعف.
"إلى أَضعَافٍ كَثيرةٍ" يعني أكثر من سبعمائة ضعف.
قال: "وَإِن هَمَّ بِسَيئةٍ فَلَم يَعمَلهَا كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنةً كَامِلَةً" جاء في الحديث: "لأنهُ إِنَمّاٍ تَرَكَهَا مِن جَرائي" أي من أجلي، فتكتب حسنة كاملة،لأنه تركها لله.
واعلم أن الهم بالسيئة له أحوال:
الحال الأولى:أن يهم بالسيئة أي يعزم عليها بقلبه،وليس مجرد حديث النفس، ثم يراجع نفسه فيتركها لله عزّ وجل،فهذا هو الذي يؤجر، فتكتب له حسنة كاملة، لأنه تركها لله ولم يعمل حتى يكتب عليه سيئة.
الحال الثانية:أن يهم بالسيئة ويعزم عليها لكن يعجز عنها بدون أن يسعى بأسبابها:كالرجل الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليت لي مثل مال فلان فأعمل فيه مثل عمله وكان فلان يسرف على نفسه في تصريف ماله،فهذا يكتب عليه سيئة، لكن ليس كعامل السيئة،بل يكتب وزر نيته،كما جاء في الحديث بلفظه: "فَهوَ بِنيَّتهِ"، فَهُمَا في الوِزرِ سواء[258]
الحال الثالثة:أن يهم بالسيئة ويسعى في الحصول عليها ولكن يعجز، فهذا يكتب عليه وزر السيئة كاملاً، دليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا اِلتَقَى المُسلِمَانِ بِسيفَيهِمَا فَالقَاتِل وَالمَقتول في النَّار قَالَ:يَا رَسُول الله هَذا القَاتِلُ،فَمَا بَالُ المَقتُول؟" أي لماذا يكون في النار- قَالَ: "لأَنَّهُ كَانَ حَريصَاً عَلَى قَتلِ صَاحِبِهِ"[259] فكتب عليه عقوبة القاتل.
ومثاله:لو أن إنساناً تهيأ ليسرق وأتى بالسلم ليتسلق، ولكن عجز، فهذا يكتب عليه وزر السارق، لأنه هم بالسيئة وسعى بأسبابها ولكن عجز.
الحال الرابعة:أن يهم الإنسان بالسيئة ثم يعزف عنها لا لله ولا للعجز، فهذا لا له ولا عليه،وهذا يقع كثيراً،يهم الإنسان بالسيئة ثم تطيب نفسه ويعزف عنها، فهذا لا يثاب لأنه لم يتركها لله، ولا يعاقب لأنه لم يفعل ما يوجب العقوبة.
وعلى هذا فيكون قوله في الحديث: "كَتَبَهَا عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً" أي إذا تركها لله عزّ وجل.
"وَإِن هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيئةً وَاحِدةً" ، ولهذا قال الله عزّ وجل: ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)(الأنعام: الآية54) وقال الله تعالى في الحديث القدسي: "إِنَّ رَحْمَتِيْ سَبَقَتْ غَضَبِيْ"[260] وهذا ظاهر من الثواب على الأعمال، والجزاء على الأعمال السيئة.
قال النووي - رحمه الله - :
فانظر يا أخي وفقنا الله وإياك إلى عظيم لطف الله تعالى، وتأمل هذه الألفاظ
وقوله: "عِندَهُ" إشارة إلى الاعتناء بها.
وقوله: "كَامِلَةً" للتأكيد وشدة الاعتناء بها.
وقال في السيئة التي هم بها ثم تركها كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فأكدها بكاملة وإن عملها كتبها سيئة واحدة، فأكد تقليلها بواحدة، ولم يؤكدها بكاملة، فلله الحمد والمنة، سبحانه لا نحصي ثناءً عليه ، وبالله التوفيق.
هذا تعليق طيب من المؤلف - رحمه الله - .
من فوائد هذا الحديث:
.1رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه،وما رواه عن ربه في الأحاديث القدسية:هل هو من كلام الله عزّ وجل لفظاً ومعنى، أو هو كلام الله معنى واللفظ من الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
اختلف المحدثون في هذا على قولين، والسلامة في هذا أن لا تتعمق في البحث في هذا،وأن تقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزّ وجل وكفى،وتقدم الكلام على ذلك.
.2اثبات كتابة الحسنات والسيئات وقوعاً وثواباً وعقاباً، لقوله إن الله كتب الحسنات والسيئات.
.3 أن الحسنات الواقعة والسيئات الواقعة قد فرِغ منها وكتبت واستقرت.
ولكن ليس في هذا حجة للعاصي على معاصي الله، لأن الله تعالى أعطاه سمعاً وبصراً وفهماً وأرسل إليه الرسل، وبيّن له الحق وهو لا يدري ماذا كُتِبَ له في الأصل، فكيف يقحم نفسه في المعاصي،ثم يقول: قد كتبت عليَّ، لماذا لم يعمل بالطاعات ويقول: قد كتبت لي؟ !!
فليس في هذا حجة للعاصي على معصيته:
أولاً: للدليل الأثري، وثانياً: للدليل النظري.
أما الأثري:فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال للصحابة: "مَا مِنكُم مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ كُتِبَ مَقعَدهُ مِنَ الجَنةِ وَالنَّار" قَالوا:يَا رَسُول الله أَفَلا نَدع العَمَلَ وَنَتَّكِلَ عَلَى الكِتَابِ الأَولِ ؟ قَالَ: "لاَ، اعمَلوا فَكل ميسر لِمَا خُلِقَ لَهُ"[261] هذا دليل، يعني لا تعتمد على شيء مكتوب وأنت لا تدري عنه "اعمَلوا فَكل ميسرٍ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا أَهلُ السعَادَةِ فَيُيَسّرونَ لِعَمَلِ أَهلِ السَّعَادَةِ،وَأَمَا أَهَلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرونَ لِعَمَلِ أَهلِ الشَّقَاوَةِ،ثُمَ تَلاَ قَولَهُ تَعالَى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)" [الليل:5-10].
فهذا دليل أثري، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع الاتكال على ما كتب وأن نعمل.
أما الدليل النظري العقلي فيقال لهذا الرجل:ما الذي أعلمك أن الله كتبك مسيئاً؟ هل تعلم قبل أن تعمل الإساءة؟
الجواب:لا،كلنا لا نعلم المقدور إلا إذا وقع، فلا حجة عقلية ولا حجة أثرية.
.4إثبات أفعال الله عزّ وجل لقوله: "كَتَبَ" وسواء قلنا إنه أمر بأن يكتب، أو كتب بنفسه عزّ وجل.
وهذه المسألة اختلف فيها الناس،وليس هذا موضع ذكر الاختلاف،لأن كلامنا على شرح الحديث.
والذي عليه أهل السنة والجماعة: أن صفات الله عزّ وجل:فعلية متعلقة بمشيئته، وذاتية لازمة لله.
.5عناية الله عزّ وجل بالخلق حيث كتب حسناتهم وسيئاتهم قدراً وشرعاً.
.6أن التفصيل بعد الإجمال من البلاغة، يعني أن تأتي بقول مجمل ثم تفصله،لأنه إذا أتى القول مجملاً تطلعت النفس إلى بيان هذا المجمل،فيأتي التفصيل والبيان وارداً على نفس مشرئبة مستعدة، فيقع منها موقعاً يكون فيه ثبات الحكم.
.7فضل الله عزّ وجل ولطفه وإحسانه أن من هم بالحسنة ولم يعملها كتبها الله حسنة،والمراد بالهم: العزم، لا مجرد حديث النفس، لأن الله تعالى عفا عن حديث النفس لا للإنسان ولا عليه.
وسبق شرح أحوال من هم بالحسنة ولم يعملها فليرجع إليه.
.8مضاعفة الحسنات، وأن الأصل أن الحسنة بعشر أمثالها، ولكن قد تزيد إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة.
ومضاعفة ثواب الحسنات تكون بأمور ، منها:
الأول: الزمان، مثاله: قول النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأول من ذي الحجة "مَا مِنْ أَيَّام العَمَلُ الصَّالِحُ فِيْهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشر قَالوا: ولاَ الجِهَادُ في سَبيلِ اللهِ، قَالَ: وَلا الجِهَادُ في سَبيلِ الله"[262] هذا عظم ثواب العمل بالزمن.
ومن ذلك قوله تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدر:3)
الثاني:باعتبار المكان، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"صَلاَةٌّ في مَسجِدي هَذا أَفضَلُ مِنْ أَلفِ صَلاَة فيمَا سِواهُ إِلاَّ مَسجِدِ الكَعبَة"[263]
الثالث:باعتبار العمل فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي "مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِيْ بِشَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مَمَّا افتَرَضْتُ عَلَيْهِ"[264] فالعمل الواجب أفضل من التطوع.
الرابع:باعتبار العامل قال النبي صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد وقد وقع بينه وبين عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنهما- ما وقع "لاَ تَسِبوا أَصحَابي،فوالذي نَفسي بيَدِهِ لَو أَنفَقَ أَحَدُكُم مِثلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا بَلَغَ مَد أَحَدِكُم ولاَ نصيفَهُ"[265] .
وهناك وجوه أخرى في المفاضلة تظهر للمتأمل و متدبر الأدلة.
أيضاً يتفاضل العمل بالإخلاص، فلدينا ثلاثة رجال: رجل نوى بالعمل امتثال أمر الله عزّ وجل والتقرب إليه،وآخر نوى بالعمل أنه يؤدي واجباً، وقد يكون كالعادة، والثالث نوى شيئاً من الرياء أو شيئاً من الدنيا.
فالأكمل فيهم: الأول، ولهذا ينبغي لنا ونحن نقوم بالعبادة أن نستحضر أمر الله بها، ثم نستحضر متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها،حتى يتحقق لنا الإخلاص والمتابعة.
.9أن من هم بالسيئة ولم يعملها كتبها الله حسنة كاملة، وقد مر التفصيل في ذلك أثناء الشرح، فإن هم بها وعملها كتبها الله سيئة واحدة.
ولكن السيئات منها الكبائر والصغائر،كما أن الحسنات منها واجبات وتطوعات ولكلٍ منهما الحكم والثواب المناسب، والله الموفق.
--------------------------------------------------------------------------------
[256] أخرجه البخاري – كتاب: الرقاق، باب: من هم بالحسنة أو سيئة، (6491). ومسلم – كتاب: الإيمان، باب: إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب، (131)،(207)
[257] أخرجه أبو داود – كتاب: الأيمان والنذور، باب: من نذر أن يصلي في بيت المقدس، (3305). وسكت عنه المنذري وصححه الحاكم والحافظ تقي الدين بن دقيق العيد.
[258] أخرجه ابن ماجه- كتاب: الزهد، باب: النية، (4228). والإمام أحمد – في مسند الشاميين حديث أبي كبشة الأنماري، ج4، ص230، (18187)
[259] أخرجه البخاري – كتاب: الإيمان، باب: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، (31). ومسلم – كتاب: الفتن، باب: إذا تواجه المسلمان بسيفهما، (2888)، (14).
[260] سبق تخريجه صفحة (244)
[261] سبق تخريجه صفحة (69)
[262] أخرجه الإمام أحمد – ج1/ص224، عن أبي معاوية بهذا الإسناد، (1968). والترمذي – كتاب: الصوم، باب: ما جاء في العمل في أيام العشر، (757). وابن ماجه في كتاب: الصيام، باب: صيام العشر، (1727). والدارمي – ج2/ص41، كتاب: الصوم، باب: في فضل العمل في العشر، (1773). وأيو داود – كتاب: الصوم، باب: في صوم العشر، (2438). والبخاري بمعناه – كتاب: العيدين، باب: فضل العمل في أيام التشريق، (969)
[263] أخرجه البخاري – كتاب: فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، (1190). ومسلم – كتاب: الحج، باب: فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة، (1394)، (505)
[264] أخرجه البخاري – كتاب: الرقاق، باب: التواضع، (6502).
[265] أخرجه البخاري – كتاب: فضائل الصحابة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم " لو كنت متخذاً خليلاً"، (3673). ومسلم – كتاب: فضائل الصحابة، باب: تحريم سب الصحابة، (2541)،(222).
|
|
|
10-13-2012
|
#940
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
--- شرح الاربعين النوويه --- للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ---
الحديث الثامن والثلاثون
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ. وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ. ولايَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِيْ بِهَا. وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِيْ لأُعِيْذَنَّهُ)[266] رواه البخاري
الشرح
هذا حديث قدسيّ كالذي سبقه، وقد تكلمنا على ذلك.
قوله: "مَنْ عَادَى لِي وَليَّاً" أي اتخذه عدواً له، ووليُّ الله عزّ وجل بيَّنه الله عزّ وجل في القرآن، فقال: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس:62-63].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- من كان مؤمناً تقياً كان لله وليَّاً أخذه من الآية: (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس:63]
"فَقَدْ" هذا جواب الشرط "آذَنْتُهُ ِبالحَرْبِ" أي أعلنت عليه الحرب، وذلك لمعاداته أولياء الله.
"وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ" ولكن الفرائض تختلف كما سنبين إن شاء الله في الفوائد، إنما جنس الفرائض أحب إلى الله من جنس النوافل.
"وَلاَ يَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ" لايزال:هذا من أفعال الاستمرار،أي أنه يستمر يتقرب إلى الله تعالى بالنوافل حتى يحبه الله عزّ وجل،و (حتى) هذه للغاية، فيكون من أحباب الله .
"فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِيْ بِهَا"
قوله: "كُنْتُ سَمْعَهُ" من المعلوم أن الحديث ليس على ظاهره، لأن سمع المخلوق حادث ومخلوق وبائن عن الله عزّ وجل، فما معناه إذن؟
قيل: معناه أن الإنسان إذا كان وليّاً لله عزّ وجل وتذكر ولاية الله حفظ سمعه، فيكون سمعه تابعاً لما يرضي الله عزّ وجل.
وكذلك يقال في بصره، وفي: يده، وفي: رجله.
وقيل: المعنى أن الله يسدده في سمعه وبصره ويده ورجله، ويكون المعنى: أن يُوفّق هذا الإنسان فيما يسمع ويبصر ويمشي ويبطش. وهذا أقرب، أن المراد: تسديد الله تعالى العبد في هذه الجوارح.
وقوله: "وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأَعْطيَنَّهُ" هذه الجملة تضمنت شرطاً وقسماً، السابق فيهما القسم، ولهذا جاء الجواب للقسم دون الشرط، فقال: لأَعْطِيَنَّهُ .
وقد قال ابن مالك - رحمه الله- :
واحذفْ لدى اجتماع شرط وقسم جوابَ ما أخّرت فهو ملتزم
يعني إذا اجتمع شرط وقسم فاحذف جواب المتأخر، ويكون الجواب للمتقدم، فهنا الجواب للمتقدم الذي هو القسم لأنه أتى مقروناً باللام.
"وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي" أي طلب مني أن أعيذه فأكون ملجأ له "لأعِيذَنَّهُ" فذكر السؤال الذي به حصول المطلوب، والاستعاذة التي بها النجاة من المرهوب، وأخبر أنه سبحانه وتعالى يعطي هذا المتقرب إليه بالنوافل ماسأل، ويعيذه مما استعاذ.
من فوائد هذا الحديث:
.1أن معاداة أولياء الله من كبائر الذنوب، لقوله: "فَقَدْ آذَنتُهُ بِالحَرْبِ" وهذه عقوبة خاصة على عمل خاص، فيكون هذا العمل من كبائر الذنوب.
.2-إثبات أولياء الله عزّ وجل، ولا يمكن إنكار هذا لأنه ثابت في القرآن والسنة، ولكن الشأن كل الشأن تحقيق المناط، بمعنى: من هو الولي؟ هل تحصل الولاية بالدعوى أو تحصل بهيئة اللباس؟ أو بهيئة البدن؟
الجواب: لا، فالولاية بينها الله عزّ وجل بقوله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس:63] فمن كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً.
واعلم أن ولاية الله عزّ وجل نوعان: عامة وخاصة.
فالعامة: ولايته على الخلق كلهم تدبيراً وقياماً بشؤونهم، وهذا عام لكل أحد، للمؤمن والكافر، والبر والفاجر، ومنه قوله تعالى: ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ*ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ) [الأنعام:61-62].
وولاية خاصة: وهي ولاية الله عزّ وجل للمتقين، قال الله عزّ وجل: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)(البقرة: الآية257) فهذه ولاية خاصة وقال الله عزّ وجل: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس:62-63].
فإن قال قائل: هل في ثبوت ولاية الله تعالى لشخص أن يكون واسطة بينك وبين الله في الدعاء لك وقضاء حوائجك وما أشبه ذلك؟
فالجواب: لا، فالله تعالى ليس بينه وبين عباده واسطة، وأما ا لجاهلون المغرورون فيقولون: هؤلاء أولياء الله وهم واسطة بيننا وبين الله. فيتوسلون بهم إلى الله أولاً ثم يدعونهم من دون الله ثانياً.
.3 إثبات الحرابة لله عزّ وجل، لقوله: "آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ" وقد ذكر الله تعالى ذلك في الربا أيضاً فقال: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)(البقرة: الآية279) ، وذكر ذلك أيضاً في عقوبة قطاع الطريق: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْض)(المائدة: الآية33)
.4 إثبات محبة الله وأنها تتفاضل، لقوله: "وَمَاتَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْته عَلَيْهِ".
.5 أن الأعمال الصالحة تقرب إلى الله عزّ وجل، والإنسان يشعر هذا بنفسه إذا قام بعبادة الله على الوجه الأكمل من الإخلاص والمتابعة وحضور القلب أحس بأنه قَرُبَ من الله عزّ وجل. وهذا لايدركه إلا الموفقون، وإلا فما أكثر الذين يصلون ويتصدقون ويصومون، ولكن كثيراً منهم لايشعر بقربه من الله، وشعور العبد بقربه من الله لاشك أنه سيؤثر في سيره ومنهجه.
.6 أن أوامر الله عزّ وجل قسمان: فريضة، ونافلة. والنافلة: الزائد عن الفريضة، ووجه هذا التقسيم قوله: "وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِليَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ. ولايَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ".
.7 تفاضل الأعمال من حيث الجنس كما تتفاضل من حيث النوع. فمن حيث الجنس: الفرائض أحب إلى الله من النوافل. ومن حيث النوع:الصلاة أحب إلى الله مما دونها من الفرائض، ولهذا سأل ابن مسعود رضي الله عنه رسول الله : أي الأعمال - أو العمل - أحب إلى الله؟ فقال: "الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا"[267]
فالأعمال تتفاضل في أجناسها، وتتفاضل أجناسها في أنواعها، بل وتتفاضل أنواعها في أفرادها. فكم من رجلين صليا صلاة واحدة واختلفت مرتبتهما ومنزلتهما عند الله كما بين المشرق والمغرب.
.8 الحثّ على كثرة النوافل، لقوله تعالى في الحديث القدسي: "وَلاَيَزَالُ عَبدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ".
.9 أن كثرة النوافل سبب لمحبة الله عزّ وجل، لأن: (حتى) للغاية، فإذا أكثرت من النوافل فأبشر بمحبة الله لك.
ولكن اعلم أن هذا الجزاء والمثوبة على الأعمال إنماهو على الأعمال التي جاءت علىوفق الشرع، فما كل صلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وما كل نافلة تقرّب إلى الله عزّ وجل،أقول هذا لاتيئيساً ولكن حثّاً على إتقان العبادة وإكمال العبادة، حتى ينال العبد الثواب المرتب عليها في الدنيا والآخرة.
ولذلك كثير من الناس يصلّون الصلوات الخمس والنوافل ولايحس أن قلبه نفر من المنكر، أو نفر من الفحشاء، هو باقٍ على طبيعته. لماذا هل هو لنقص الآلة، أو لنقص العامل؟
الجواب: لنقص العامل.
.10 أن الله تعالى إذا أحب عبداً سدده في سمعه وبصره ويده ورجله، أي في كل حواسه بحيث لايسمع إلا ما يرضي الله عزّ وجل، وإذا سمع انتفع، وكذلك أيضاً لايطلق بصره إلا فيما يرضي الله وإذا أبصر انتفع، كذلك في يده: لايبطش بيده إلا فيما يرضي الله، وإذا بطش فيما يرضي الله انتفع، وكذلك يقال في الرِّجل.
.11 أن الله تعالى إذا أحب عبداً أجاب مسألته وأعطاه ما يسأل وأعاذه مما يكره، فيحصل له المطلوب ويزول عنه المرهوب.
يحصل له المطلوب في قوله: "وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعْطِيَنَّهُ" ويزول المرهوب في قوله: "وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنَي لأُعِيذَنَّهُ".
فإن قال قائل: هل هذا على إطلاقه، أي أنه إذا سأل الإنسان أي شيء أجيب مادام متصفاً بهذه الأوصاف؟
فالجواب: لا، لأن النصوص يقيد بعضها بعضاً، فإذا دعا بإثم، أو قطيعة رحم، أو ظلماً لإنسان فإنه لايستجاب له، حتى وإن كان يكثر من النوافل، حتى وإن بلغ هذه المرتبة العظيمة وهي: محبة الله له فإنه إذا دعا بإثم، أو قطيعة رحم، أو ظلم فإنه لايستجاب له، لأن الله عزّ وجل أعدل من أن يجيب مثل هذا.
.12 كرامة الأولياء على الله تعالى حيث كان الذي يعاديهم قد آذنه الله بالحرب.
.13 أن معاداة أولياء الله من كبائر الذنوب، لأن الله تعالى جعل ذلك إذناً بالحرب. والله أعلم.
--------------------------------------------------------------------------------
[266] سبق تخريجه صفحة (375)
[267] أخرجه البخاري – كتاب: مواقيت الصلاة، باب: فضل الصلاة لوقتها، (5279). ومسلم – كتاب: الإيمان، باب: كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، (85)،(139).
|
|
|
10-13-2012
|
#941
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
--- شرح الاربعين النوويه --- للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ---
الحديث التاسع والثلاثون
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: (إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)[268] حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما.
الشرح
النووي -رحمه الله- في هذا الكتاب يتساهل كثيراً، فيورد أحاديث ضعيفة وربما يحسّنها هو لأنه من الحفاظ، وابن رجب - رحمه الله- في كتابه: (جامع العلوم والحكم) يتعقّبه كثيراً، ولذلك يحسن منا أن نعلّق على المتن ببيان درجة الحديث، لكن الغالب أن ما يذكره من الأحاديث الضعيفة في هذا الكتاب أن له شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن.
هنا يقول المؤلف - رحمه الله -: رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما فلو أخذنا كلامه على العموم،لكان رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي لدخول هؤلاء في قوله: وغيرهما لكن هذا ليس بوارد، لأنه من عادتهم إذا ذكروا المخرجين الذين دون درجة الصحيحين ثم قالوا: وغيرهما فالمراد ممن هودونهما أو مثلهما، لايريدون أن يدخل من هو أعلى منهما، لأنه لو أرادوا من هو أعلى منهما لعيب علىمن ذكر الدون وأحال على الأعلى، وهذا واضح، لأن الواجب أن يذكر الأعلىثم يقال: وغيره.
قوله: "إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِيْ" اللام هنا للتعليل، أي تجاوز من أجلي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
والخطأ: أن يرتكب الإنسان العمل عن غير عمد.
والنسيان: ذهول القلب عن شيءٍ معلوم من قبل.
والاستكراه: أن يكرهه شخص على عمل محرم ولايستطيع دفعه، أي: الإلزام والإجبار.
وهذه الثلاثة أعذار شهد لها القرآن الكريم.
أما الخطأ والنسيان فقد قال الله عزّ وجل: ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا )(البقرة: الآية286) وقال الله عزّ وجل: ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ )(الأحزاب: الآية5) .
وأما الإكراه: فقال الله عزّ وجل: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل:106)
فرفع الله عزّ وجل حكم الكفر عن المكرَه،فما دون الكفر من المعاصي من باب أولى لاشك.
إذاً هذا الحديث مهما قيل في ضعفه فإنه يشهد له القرآن الكريم كلام رب العالمين.
من فوائد هذا الحديث:
.1سعة رحمة الله عزّ وجل ولطفه بعباده حيث رفع عنهم الإثم إذا صدرت منهم المعصيةعلى هذه الوجوه الثلاثة، ولو شاء الله لعاقب من خالف أمره على كل حال.
.2 أن جميع المحرّمات في العبادات وغير العبادات إذا فعلها الإنسان جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلاشيء عليه فيما يتعلق بحق الله، أما حق الآدمي فلا يعفى عنه من حيث الضمان،وإن كان يُعفى عنه من حيث الإثم.
فجميع المحرّمات يرفع حكمها بهذه الأعذار وكأنه لم يفعلها ولايستثنى من هذا شيء، فلنضرب أمثلة:
رجل تكلّم في الصلاة يظن أن هذا الكلام جائز، فلا تبطل صلاته لأنه جاهل مخطئ ارتكب الإثم عن غير قصد، وهذا فيه نص خاص وهو: أن معاوية بن الحكم رضي الله عنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة، فسمع عاطساً عطس فحمد الله، فقال له معاوية رضي الله عنه: يرحمك الله ، فرماه الناس بأبصارهم، أي جعلوا ينظرون إليه نظر إنكار فقال: واثكل أمّياه - كلمة توجع - فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكّتونه فسكت، فلمّا انتهت الصلاة دعاه من كان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً محمد صلى الله عليه وسلم، قال معاوية: فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً أحسن تعليماً منه، ماكهرني، ولاشتمني، ولاضربني، وإنما قال: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لاَيَصْلُحُ فِيْهَا شَيءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ إِنَّمَا هِيَ التَّكْبِيْرُ والتَّسبِيْحُ وَقِرَاءةُ القُرْآنِ"[269].
وجه الدلالة من هذا الحديث: أنه لم يأمره بالإعادة، ولو كانت الإعادة واجبة عليه لأمره بها كما أمر الذي لايطمئن في صلاته أن يعيد صلاته.
مثال آخر: رجل يصلي، فاستأذن عليه رجل - أي قرع الباب - فقال: تفضّل، نسي أنه في صلاة، فلاتبطل صلاته لأنه ناسٍ ولم يتعمّد الإثم.
مثال ثالث: رجل أكره على أن يأكل في نهار رمضان فأكل، فلا يفسد صومه لأنه مكره،لكن يشترط في الإكراه أن يكون المكره قادراً على تنفيذ ما أكره به، أما إذا كان غير قادر مثل أن يقول لشخص: يافلان كل هذا التمر وإن لم تأكل ضربتك، أو قيدتك وهو أضعف من الصائم، والصائم يستطيع أن يأخذه بيد واحدة ويقذفه، فهذا ليس بإكراه لأنه قادر على التخلّص.
مثال رابع: صائم أكل يظن الشمس غربت ثم تبيّن أنها لم تغرب، كمن سمع أذاناً وظنه أذان بلده فأكل ثم تبيّن أنه لم يؤذن فيه ولم تغرب الشمس، فليس عليه قضاء لأنه جاهل إذ لو علم أن الشمس باقية لم يأكل، ولو ضُرب علىهذا لم يأكل، فظن أن الشمس غربت بسماع هذا الأذان فأكل فلاشيء عليه.
وقد جاء النص في هذه المسألة بعينها، فقد روت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنهم أفطروا في يوم غيمٍ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس[270]، إذاً هم أفطروا قبل أن تغرب الشمس ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً عليهم لأمرهم به لوجوب الإبلاغ عليه، ولو أمرهم به لكان من الشريعة، وإذا كان من الشريعة فالشريعة محفوظةلابد أن تنقل إلينا ولم تنقل، فدل هذا على أنه لا يجب عليهم القضاء.
ومن العلماء من قال: إنه يجب القضاء في هذه الحال استناداً إلى قول بعض الفقهاء.
وموقفنا من هذا القول أن نقول: إن الله تعالى قال: ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(النساء: الآية59) وقال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ )(الشورى: الآية10) وحينئذ لايبقى لأحد كلام.
مثال خامس: رجل جامع زوجته في نهار رمضان وهو يعلم أن الجماع حرام، لكن لايعلم أن فيه كفارة، فهذا تلزمه الكفارة لأن هذا الرجل غير معذور، حيث انتهك حرمة رمضان وهو يعلم أن ذلك حرام فتلزمه الكفارة، ولهذا ألزم النبي صلى الله عليه وسلم المجامع في نهار رمضان بالكفارة مع أنه لايعلم، وقصة هذا الرجل:
أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال:يارسول الله هلكت؟ فقال: "مَا الَّذِيْ أَهْلَكَكَ؟" قال: أتيتُ أهلي في رمضان وأنا صائم، فقال: "أَعْتِقْ رَقَبَةً" ، قال: لاأقدر، فقال: "صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟" قال: لاأستطيع، فقال: "أَطْعِمْ سِتِّيْنَ مِسْكِيْنَاً؟" قال: ليس عندي - فكل خصال الكفارة لايستطيعها- فجلس الرجل فأتي بِمِكْتَلٍ فيه تمر - أي زنبيل- فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "خُذْ هَذَا تَصَدّقْ بِهِ" ، قال: يارسول الله: أعلى أفقر مني، والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني؟ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ[271].
الشاهد من هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب عليه الكفارة مع أنه كان لايدري أن فيه كفارة.
مثال سادس: رجل زنى يحسب أن الزنى حلال لأنه عاش في غير بلاد الإسلام وهو حديث عهد بإسلام،فلا حدَّ عليه لأنه جاهل حيث أسلم حديثاً ولم يدرِ أن الزنا حرام، فقوله مقبول.
لكن لوقال رجل عاش بين المسلمين:إنه لايدري أن الزنا حرام، فإنه لايقبل ويقام عليه الحدّ.
مثال سابع: رجل زنى وهو يعلم أن الزنى حرام، لكن لا يدري أن الزاني المحصن عليه الرجم، وقال: إنه لو علم أن عليه الرجم ما زنى، فإنه يرجم.
إذاً الجهل بما يترتب على الفعل ليس بعذر، إنما العذر إذا جهل الحكم.
ذكرنا أولاً أن هذا في حق الله، أما في حق المخلوق فلا يسقط الضمان وإن سقط الإثم، مثال ذلك: رجل اجتر شاة ظنها شاته فذكّاها وأكلها، فتبيّن أنها لغيره، فإنه يضمنها لأن هذا حق آدمي، وحقوق الآدمي مبنية على المشاحة، ويسقط عنه الإثم لأنه غير متعمّد لأخذ مال غيره.
ومثال آخر: رجل أكره على قتل إنسان وقال له المكره: إما أن تقتل فلاناً أو أقتلك، وهو يقدر أن يقتله، فقتله، فإن القاتل المكره يقتل، لأن حق الآدمي لايعذر فيه بالإكراه.
فإذا قال: أنا أعلم أنني إذا لم أقتل الرجل قتلني ؟
فنقول: هل لك الحق أن تبقي نفسك بإهلاك غيرك؟ ليس لك حق. ولذلك إذا ارتفع قتل هذا المكره عنك فإننا لانرفع عنك القتل بمقتضى الشريعة الإسلامية.
مثال ثالث: جاء رجل قوي شديد وأخذ شخصاً بالغاً عاقلاً وأمسك به وضرب به إنساناً حتى مات المضروب، فإنه لايضمن لأنه ليس له تصرف،فهذا كالآلة فالضمان على الذي أمسكه وضرب به المقتول.
فهذا الحديث عام في كل حق لله عزّ وجل من المحظورات، أما المأمورات فإنها لايسقط أداؤها وقضاؤها،فلابد أن تُفعل. ولكن يسقط الإثم في تأخيرها بعذر.
فلو أن رجلاً أكل لحم إبل وهو على وضوء ولم يعلم أن أكل لحم الإبل ناقض للوضوء، فصلى، فيلزمه أن يعيد الوضوء والصلاة، وذلك لأن الواجب يمكن تداركه مع الجهل، وأما المحرم لايمكن تداركه لأنه فعله وانتهى منه.
فعلىهذا نقول: إذا ترك واجباً فلابد من فعله، ويدل لهذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصِلِّهَا إِذَا ذَكَرهَا"[272] فعذره عن التأخير ولم يعذره عن القضاء، بل أمره بالقضاء.
أما بالنسبة للجهل: فالرجل الذي جاء وصلى ولم يطمئن في صلاته قال له النبي صلى الله عليه وسلم : "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" فرجع وصلى صلاة لايطمئن فيها،ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ،فقال: "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" ثلاث مرات حتى قال المصلي: والذي بعثك بالحق لاأحسن غير هذا فعلمني، فعلّمه[273]،فهنا لم يعذره بالجهل لأن هذا واجب، والواجب يمكن تداركه مع الجهل فيفعل.
فإن قال قائل: هذا الرجل لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة ما مضى من الصلوات مع أنه صرح بأنه لايحسن غير هذا، فما الجواب وأنتم تقولون: إن الواجبات إذا كان جاهلاً يُعذر فيها بالإثم أي يسقط عنه، لكن لابد من فعلها؟
قلنا:هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء: هل الواجبات تسقط بالجهل مطلقاً، أو يقال:تسقط بالجهل إن كان غير مقصّر، فإن كان مقصّراً لم يعذر؟
والظاهر: أن الواجبات تسقط بالجهل مالم يمكن تداركها في الوقت، ويؤيد هذا أن الحديث الذي ذكرناه لم يأمر فيه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل بقضاء ما مضى من صلاته، وأمره بقضاء الصلاة الحاضرة لأنه يمكن تداركها، ولأنه الآن هو مطالب بها،لأن وقتها باق.
ويتفرع على هذا مسألة مهمة: كثير من البادية لايعرفون أن المرأة إذاحاضت مبكرة لزمها الصيام، ويظنون أن المرأة لايلزمها الصيام إلا إذا تم لها خمس عشرةسنة، وهي قد حاضت ولها إحدى عشرة سنة مثلاً،فلها خمس سنين لم تصم، فهل نلزمها بالقضاء؟
فالجواب: لا نلزمها بالقضاء، لأن هذه جاهلة ولم تقصّر،لأنه ليس عندها من تسأله، ثم إن أهلها يقولون لها:أنت صغيرة ليس عليك شيء، وكذلك لوكانت لاتصلّي.
فمثل هؤلاء نعذرهم، لأن الواجبات عموماً لاتلزم إلا بالعلم،لقول الله تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(الاسراء: الآية15) نعم إذا كان مقصّراً فنلزمه، مثل أن يقول رجل عاميٌّ لآخر مثله: يافلان يجب عليك كذا وكذا، فقال: لا يجب، قال له: اسأل العلماء، فقال: لا أسأل العلماء قال الله عزّ وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)(المائدة: الآية101) فهذا نقول: إنه مقصّر ونلزمه.
أيضاً إذاكان الواجب الذي تركه جهلاً يتعلق به حق الغير كالزكاة مثلاً، كرجل مضى عليه سنوات وهو لايزكّي، والمال الذي عنده زكوي، لكن لايدري أن فيه زكاة، فنلزمه بأداء ما مضى،لأن الزكاة ليس لها وقت محدد تفوت بفواته، فلوأخّرها عمداً إلى خمس سنوات لزمه أن يزكّي.
فهذا نلزمه بالزكاة وإن كان جاهلاً لتعلّق حق أ هل الزكاة بها وهو حق آدمي، لكن لانؤثمه لأنه كان جاهلاً.
فالمهم أن هذا الحديث مؤيَّدٌ بالقرآن الكريم كما سبق، وينبغي للإنسان أن ينظر إلى الحوادث التي تقع نسياناً أو جهلاً أو إكراهاً نظرة حازم ونظرة راحم.
نظرة حازم: بأن يلزم الإنسان إذاعلم أن فيه تقصيراً.
ونظرة راحم: إذا علم أنه لم يقصّر، لكنه جاهل لايدري عن شيء.
وكان شيخنا عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - يقول في المسائل الخلافية: إذا كان الإنسان قد فعل وانتهى فلا تعامله بالأشد،بل انظر للأخف وعامله به، لأنه انتهىولكن انهَهُ أن يفعل ذلك مرّة أخرى،إذا كنت ترى أنه لايفعل. والله الموفّق.
--------------------------------------------------------------------------------
[268] أخرجه ابن ماجه – كتاب: الطلاق المكره والناسي، (2045). والبيهقي- ج7/ص357،356. والدارقطني – ج4/170، وابن حبان في صحيحه – ج16/ص202،(7219).
[269] أخرجه مسلم – كتاب: المساجد، باب: تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته، (537)،(33)
[270] سبق تخريجه صفحة (32)
[271] أخرجه الترمذي – كتاب: الطلاق واللعان، باب: ما جاء في كفارة الظهار، (1200). والإمام أحمد – ج6/ص411، مسند النساء حديث خولة بنت ثعلبة، (27862)
[272] أخرجه البخاري – كتاب: مواقيت الصلاة، من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، ولا يعيد إلا تلك الصلاة (597). ومسلم – كتاب: المساجد، باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، (684)،(314)
[273] سبق تخريجه صفحة (271)
|
|
|
10-13-2012
|
#942
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
--- شرح الاربعين النوويه --- للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ---
الحديث الأربعون
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمنْكبيَّ فَقَالَ: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ) وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُوْلُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ. وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لمَوْتِكَ.[274]رواه البخاري.
الشرح
قوله: "أَخَذَ بِمنْكَبَيَّ" أي أمسك بكفتي من الأمام. وذلك من أجل أن يستحضر مايقوله النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "كُنْ فِي الدُّنِيا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ" فالغريب لم يتخذها سكناً وقراراً، وعابر السبيل: لم يستقر فيها أبداً، بل هو ماشٍ.
وعابر السبيل أكمل زهداً من الغريب، لأن عابر السبيل ليس بجالس، والغريب يجلس لكنه غريب.
"كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابرُ سَبِيْلٍ" وهذا يعني الزهد في الدنيا، وعدم الركون إليها، لأنه مهما طال بك العمر فإن مآلك إلى مفارقتها. ثم هي ليست بدار صفاء وسرور دائماً، بل صفوها محفوف بكدرين، وسرورها محفوف بحزنين كما قال الشاعر:
ولاطيبَ للعيشِ مَادامت منغّصةً لذاتُهُ بادّكارِ الموتِ والهَرَمِ
إذاً كيف تركن إليها؟ كن فيها كأنك غريب لاتعرف أحداً ولايعرفك أحد، أوعابر سبيل أي ماشٍ لاتنوي الإقامة.
وَكَانُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُوْلُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ. رواه البخاري.
هذه كلمات من ابن عمر رضي الله عنهما يقول:
إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ والمعنى: اعمل العمل قبل أن تصبح ولاتقل غداً أفعله، لأن منتظر الصباح إذا أمسى يؤخر العمل إلى الصباح، وهذا غلط، فلا تؤخر عمل اليوم لغد.
وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ أي اعمل وتجهّز، وهذا أحد المعنيين في الأثر.
أو المعنى: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاح لأنك قد تموت قبل أن تصبح. وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاء لأنك قد تموت قبل أن تمسي. وهذا في عهدنا كثير جداً، انظر إلى الحوادث كيف نسبتها؟ تجد الرجل يخرج من بيته وهو يقول لأهله هيؤوا لي الغداء، ثم لا يتغدى، يصاب بحادث ويفارق الدنيا، أو يموت فجأة، وقد شوهد من مات فجأة. وفي هذا يقول بعضهم: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) والمعنى: الدنيا لاتهمّك، الذي لاتدركه اليوم تدركه غداً فاعمل كأنك تعيش أبداً، والآخرة اعمل لها كأنك تموت غداً، بمعنى: لاتؤخر العمل.
وهذا يروى حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه ليس بحديث.
وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ فالإنسان إذا كان صحيحاً تجده قادراً علىالأعمال منشرح الصدر، يسهل عليه العمل لأنه صحيح، وإذا مرض عجز وتعب، أو تعذر عليه الفعل، أو إذا أمكنه الفعل تجد نفسه ضيّقة ليست منبسطة، فخذ من الصحة للمرض، لأنك ستمرض أو تموت.
وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ الحي موجود قادر علىالعمل، وإذامات انقطع عمله إلا من ثلاث، فخذ من الحياة للموت واستعد.
هذه كلمات نيّرات، ولو أننا سرنا على هذا المنهج في حياتنا لهانت علينا الدنيا ولم نبال بها واتخذناها متاعاً فقط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ينبغي للإنسان أن يجعل المال كأنه حمار يركبه، أو كأنه بيت الخلاء يقضي فيه حاجته فهذا هو الزّهد. وأكثر الناس اليوم يجعلون المال غاية فيركبهم المال، ويجعلونه مقصوداً فيفوتهم خير كثير.
من فوائد هذا الحديث:
.1التزهيد في الدنيا وأن لايتخذها الإنسان دار إقامة، لقوله: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ".
.2 حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم بضرب الأمثال المقنعة، لأنه لو قال: ازهد في الدنيا ولاتركن إليها وما أشبه ذلك لم يفد هذا مثل ما أفاد قوله: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَريْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ".
.3 فعل ما يكون سبباً لانتباه المخاطب وحضور قلبه، لقوله: "أَخَذَ بِمنْكَبَيَّ" ، ونظير ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علَّمَ ابن مسعود رضي الله عنه التشهد أمسك كفه وجعله بين كفيه[275] حتى ينتبه.
.4 أنه ينبغي للعاقل مادام باقياً والصحة متوفرة أن يحرص على العمل قبل أن يموت فينقطع عمله.
.5 الموعظة التي ذكرها ابن عمر رضي الله عنهما: أن من أصبح لاينتظر المساء، وذكرنا لها وجهين في المعنى، وكذلك من أمسى لاينتظر الصباح.
والموعظة الثانية: أن يأخذ الإنسان من صحته لمرضه، لأن الإنسان إذا كان في صحة تسهل عليه الطاعات واجتناب المحرمات بخلاف ما إذاكان مريضاً، وكذلك أيضاً أن يأخذ الإنسان من حياته لموته.
.6 فضيلة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حيث تأثّر بهذه الموعظة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
--------------------------------------------------------------------------------
[274] أخرجه البخاري – كتاب: الرقاق، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم :" كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، (6416)
[275] أخرجه البخاري – كتاب: الاستئذان، باب: الأخذ باليدين، (6265). ومسلم – كتاب: الصلاة، باب: التشهد في الصلاة، (402)،(59).
|
|
|
10-13-2012
|
#943
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
--- فاصل ونواصل ---
... قصة جميلة جدا ... علوش يعرف طعم القهوة ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
علوش بن ظويهر العنزي ينقد فنجان القهوة في مجلس إبن رشيد في برزان :
جرت هذة القصة إبان حكم إبن رشيد ( الأمير محمد العبدالله الرشيد .. الحاكم الثالث في إمارة آل رشيد .. أو إمارة الجبل مثل ما سميت والتي
إستمر حكمها حوالي 90 عام ، كان محمد العبدالله الرشيد ممن دعموا الحكم وتوسع في رقعة الأمارة ليشمل كافة نجد من شمالها لجنوبها )
ويعتبر محمد العبدالله الرشيد من أقوى حكام آل الرشيد ومن أكثرهم فطنة وحنكة .. وكان مجلسة يجمع شيوخ القبائل والشعراء والرجال
العارفة بأمور الحياة .
في أحد الأيام وعند جلوس الأمير محمد في مجلسة أمر بأن تصب القهوة لضيوفة وكما هي العادة .. يقوم صبابي القهوة بالبدء بمن هم على
ميمنة الأمير ، لأهميتهم وكان بالمجلس وممن جلس على الجهة اليمنى - ليس بقرب الأمير مباشرة ، ولكن ليس ببعيد عنه _ شخص يدعى علوش بن
ظويهر العنزي وهو شخص على دراية تامة بصنع القهوة وبطعمها ويعرف طعمها إذا داخله شيء غريب ..
وصل فنجان القهوة لعلوش .. وعندما رسف منه رشفة تغير وجههة إذا علم بان هناك طعم غير مستساغ في القهوة .. فماذا فعل ؟؟؟؟ فهق
المسند الي وراه أي أبعده عن الجدار وكب الفنجان وهو يحاول أن يستتر بفعلته هذه لأنها في سلوم العرب ( عرف العرب ) عيب وإهانة
لصاحب المجلس .. أثناء فهقته للمسند وكبته للفنجان رآه إبن رشيد وهذا ما كان يخافه علوش .. وإذا بإبن رشيد يبادر علوش بصوته الجهوري
وبلهجة أهل الشمال بقوله :
(( وراك سفيت الفنجان يا علوش !!! )) أي لماذا سكبت الفنجال ولم تشربه ؟؟؟
فأجاب علوش وجلاً (( والله يا طويل العمر ..... مالي نظر بالقهوة اليوم )) بمعنى لا أرغب شرب القهوة وهذا الجواب .. مثل ما يقول المثل عذر
اقبح من ذنب ألا أن الخوف دفعه ليقول مثل ذلك...
فرد عليه إبن رشيد بغضب أكبر :
(( شلون مالك نظر بالقهوة .. وأنت لك كم يوم عندنا تشرب منه )) والمعروف في لهجة أهل الشمال أنهم يذكرون المؤنث في حديثهم ..
فطلب الأمان علوش من الأمير ليقول الحقيقة .. وأعطاه إياه.. فقال علوش (( الحقيقة يا طويل العمر .. القهوة صايدة )) بمعنى أن القهوة تحتوي
على طعم غريب ون هناك شيء ما دخل فيها أثناء طبخها ...
فإستغرب إبن رشيد أكثر وقال (( صايدة !!! وش صايدة ؟؟ ))
فرد عليه علوش بثقة (( قهوتك صايدة قعسي ... - والقعسي حشرة صغيرة سوداء أكبر من النملة بشوي - وإن ما ما كانت صايدة .. رقبتي لك
رهينة )) ..
بجواب علوش .. تحدى الأمير في أن يثبت صحة كلامة وأعطى رقبته رهنا لما يقول وإثبات لصحة كلامة ..
أمر إبن رشيد بأن يؤتى بالدلة وأن يؤتى بقدر لتصب فيه وأن يوضع على القدر ليف ليصفي البن .. وفعلا صبت الدله على الليف وبعدها قام
الأمير يحرك البن اللي تجمع على الليف بعود معه ..وإذا فعلا .. يجد حشرة القعسي مهترئة ويابسة كأنها ورقة من أوراق الشاي السوداء..... !!!!
هنا ألتفت إبن رشيد على علوش وقال له مستغرب (( وشلون عرفت إن بالقهوة قعسي )) ..
فجاوب علوش وهو جالس بطريقة تدل على الفخر لأثباته على صحة كلامة وفوزه بالتحدي (( القهوة يا طويل العمر به طعم حموضة .. !! ))
فالتفت إبن رشيد على أحد من أخوياه وسال عن علوش : كم له بالضيافة عندنا فأجابه الخوي يومين .. فأمر بقوله خلوه يقعد أبا أختبره
واشوف إن كان كلامه مضبوط وبشوف معرفته بالقهوة هل هي صحيحة وإلا إنها مرة وصابت وبس ...
إختلى إبن رشيد بمعاونيه وخوياه يسالهم عن الأشياء اللي ممكن أن نضيفها مع القهوة ولا يبين طعمها .. فاشار عليه واحد منهم أن يضيف
ثمرة أو وورقة عرفج وبعضهم قال نينخة .. وهلم جرا ..
أخذ يأمر القهوجي اللي يسوي القهوة بأن يضيف ما قالوه إلى القهوة ويبهرها ويصب ويسأل بن رشيد .. (( هااااا يا علوش ... القهوة به طعم
شين اليوم ؟؟؟ )) أي هل بها طعم شيء ما اليوم ؟؟
فيجاوب علوش ( إي نعم يا طويل العمر .. به طعم عرفجة !!! ... به طعم نينخة ))
يوما عن يوم يزيد إستغراب إبن رشيد ويظل يبحث عن شيء يخفيه في القهوة ولا يعلمه علوش ..
أتى أحد أصحاب الأمير محمد بن رشيد قادما من الحج وإلا معه مسواك جديد طري وعلم بالتحدي بين الأمير وعلوش ... وأشار على بن رشيد
أن يلحي جزء من قشرة المسواك ويضيفها للهيل ويبهر القهوة فيها ... وفعلا عملوا ذلك وأمر القهوجي بأن يصب الفنجان لعلوش وساله مرة
أخرى (( هااااااا يا علوش القهوة به طعم شين اليوم ))
فيجيب علوش (( إي والله يا طويل العمر ..... القهوة به طعم راك !!! )) شجرة الراك هي ما يؤخذ من جذورها المسواك ..
آخر ما فكر به إبن رشيد أن يأمر القهوجي بأن يطبخ مع القهوة فنجان حب بن نيء أخضر غير محموس وفنجان بن محروق تماما .. وقال
القهوجي أطبخها وبهر وصب لعلوش .. وقال لعلوش سؤالة التقليدي (( هاااا يا علوش .. تشوف به طعم شين اليوم ؟؟؟ )))
فرد علوش (( إي والله يا طويل العمر .. به طعم نيات .. وطعم حرق )) أي أن القهوة بها طعم بن نيء وطعم بن محروق !!!!
هنا أيقن إبن رشيد أنه مهما حاول أن يخفي الطعم الغريب سيعرفه علوش وأيقن من درايته بالقهوة وطبخها وصنعها .. فقال له :
(( إسمع يا علوش ... كل ما يصير القمر مثل الباكورة بالسما .. وجهك وأشوفه .. وكل ما ينوبك من قهوة ومعاميل ... علي الين ما أموت ))
يعني كل ما يكتمل القمر ويصبح دائرا بدرا تعال إلينا لكي نعطيك ما يلزمك من قهوة وأدوات لصنعها وما يلزمك من حاجيات لضيافة الضيوف ..
وهذا يعتبر حينئذ أكبر تكريم فالقهوة وما يلزمها عمود الضيافة ومشروب أساسي يقدم للضيوف ..
حضر هذه الحادثة شاعر يسمى محمد أبا الروس الذويبي ( من قبيلة حرب ) وصاغ الأبيات التالية مسجلا تلك القصة المشهورة يقول فيها :
تستاهل الكيف الحمر يا بن وايل
أنت الذي تستاهل الكيف كله
يللي نقدته وسط ديوان حايل
لولاك ياعلوش ماحدن فطن له
بدلال من يجعد صفا كل عايل
الضيغمي ريف اليدين المقله
الضيغمي ريف المهار الاصايل
يا ما انقطع بساقته من سجله
يا بن ظويهر ما بها قول قايل
تستاهل الفنجال لاجا محله
يا ناقد الفاقد بحكم الدلايل
ياريف جسم والمزاهب مزله
ربعك بني وايل مجاز القبايل
أهل الجموع الراسيه والمظله
زبن الدخيل اللي توطاه طايل
الجمع دونه والرمك مردف له
وفي القصيدة مدح لعلوس وإبن رشيد ( الضيغمي ) وهو لقب يطلق على آل رشيد وعبدة الفخذ الذي ينحدرون منه ومدح أيضا لقبيلة
عنزة ( بني وايل ) الذي وصفهم بالكثرة والمنعة وإجارتهم للدخيل الهارب.
نقلت القصة عن الراوي المشهور محمد الشرهان
|
|
|
10-13-2012
|
#944
|
رد: مدونة أبو مسلم (قصص وفوائد ونوادر)
--- شرح الاربعين النوويه --- للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ---
الحديث الحادي والأربعون
عَنْ أَبِيْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ بِنِ عمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَيُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَواهُ تَبَعَاً لِمَا جِئْتُ بِهِ"[276] حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ الحُجَّةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيْحٍ.
الشرح
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما من المكثرين رواية للحديث،لأنه كان يكتب، وكان أبو هريرة رضي الله عنه يغبطه على هذا،ويقول: لا أعلم أحداً أكثر حديثاً مني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما،فإنه كان يكتب ولا أكتب[277]
يقول: "لاَ يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ" يعني الإيمان الكامل.
"حَتَّى يَكُونَ هَواهُ" أي اتجاهه وقصده.
"تَبَعَاً لِمَا جِئْتُ بِهِ" أي من الشريعة.
قوله: "حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ، رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ الحُجَّةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيْحٍ" . تعقّب ابن رجب - رحمه الله - هذا التصحيح من المؤلف وقال: الحديث لايصح، ولذلك يحسن تتبع شرح ابن رجب - رحمه الله - ونقل تعقيبه على الأحاديث، لأن ابن رجب - رحمه الله - حافظ من حفّاظ الحديث، وهو إذا أعلّ الأحاديث التي ذكرها النووي - رحمه الله - يبيّن وجه العلة.
لكن معنى الحديث بقطع النظر عن إسناده صحيح، وأن الإنسان يجب أن يكون هواه تبعاً لما جاء به صلى الله عليه وسلم.
من فوائد هذا الحديث:
.1-تحذير الإنسان من أن يحكم العقل أو العادة مقدماً إياها على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وجه ذلك: نفي الإيمان عنه.
فإن قال قائل: لماذا حملتموه على نفي الكمال؟
فالجواب: أنَّا حملناه على ذلك لأنه لايصدق في كل مسألة، لأن الإنسان قد يكون هواه تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر مسائل الدين، وفي بعض المسائل لايكون هواه تبعاً، فيحمل على نفي الكمال، ويقال: إن كان هواه لايكون تبعاً لماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في كل الدين فحينئذ يكون مرتدّاً.
.2 أنه يجب علىالإنسان أن يستدلّ أولاً ثم يحكم ثانياً،لا أن يحكم ثم يستدل، بمعنى أنك إذا أردت إثبات حكم في العقائد أو في الجوارح فاستدل أولاً ثم احكم، أما أن تحكم ثم تستدلّ فهذا يعني أنك جعلت المتبوع تابعاً وجعلت الأصل عقلك والفرع الكتاب والسنة.
ولهذا تجد بعض العلماء - رحمهم الله، وعفا عنهم-الذين ينتحلون لمذاهبهم يجعلون الأدلة تبعاً لمذاهبهم، ثم يحاولون أن يلووا أعناق النصوص إلى ما يقتضيه مذهبهم علىوجه مستكره بعيد، وهذا من المصائب التي ابتلي بها بعض العلماء، والواجب أن يكون هواك تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .
.3 تقسيم الهوى إلى محمود ومذموم، والأصل عند الإطلاق المذموم كما جاء ذلك في الكتاب والسنة، فكلما ذكر الله تعالى اتباع الهوى فهوعلى وجه الذم، لكن هذا الحديث يدلّ على أن الهوى ينقسم إلى قسمين:
محمود: وهو ما كان تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .
ومذموم: وهو ماخالف ذلك.
وعند الإطلاق يحمل على المذموم، ولهذايقال: الهدى، ويقابله الهوى.
.4-وجوب تحكيم الشريعة في كل شيء، لقوله: "لِمَا جِئتُ به" والنبي صلى الله عليه وسلم جاء بكل ما يصلح الخلق في معادهم ومعاشهم، قال الله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ)(النحل: الآية89)
فليس شيء يحتاج الناس إليه في أمور الدين أو الدنيا إلا بيّنه - والحمد لله - إما بياناً واضحاً يعرفه كل أحد، وإما بياناً خفياً يعرفه الراسخون في العلم.
.5أن الإيمان يزيد وينقص كما هو مذهب أهل السنة والجماعة. والله أعلم.
--------------------------------------------------------------------------------
[276] أخرجه البخاري في كتاب قرة العيون – ج1/ ص38، (45)
[277] أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب كتابة العلم، (113)
|
|
|
10-13-2012
|
#945
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن
| | | | | | | | | | | | | | |