أكتب إليك وأنا لا أدري إن كنت ستقرأ، أو إن كانت هذه الكلمات ستصل يومًا. لكن ما اعرف جيدًا أن النسيان ليس كما نظنه، ليس حفرة نقع فيها فجأة، بل هو طريق طويل نمشيه دون أن نشعر. ننسى شيئًا فشيئًا، حتى نتفاجأ يومًا أن ما كان يومًا كل شيء، أصبح مجرد ظل خافت.
قد نظن أننا قادرون على السيطرة عليه، لكن الحقيقة أن النسيان أصدق منا. يأتي عندما يحين الوقت، لا يستأذن، ولا يعتذر. ربما هو لطف خفي من الحياة، وربما هو خسارة لا ننتبه إليها إلا بعد فوات الأوان.
أكتب إليك لأنني لا أريد أن أنسى دفعة واحدة. أريد أن أودع الذكرى ببطء، أن أترك لها فسحة صغيرة تعيش فيها إلى أن تهدأ تمامًا.
وقد أصبحت آخر اهتماماتي، بعد أن كنت في مقدمة أولوياتي. لم يعد حضورك يشغل مساحات قلبي كما كان، ولم تعد ذكراك تُرهقني كما بالأمس. كأن شيئًا بداخلي تعلّم كيف يتركك بهدوء، دون ضجيج، ودون أن يلتفت للوراء.
لم يكن الأمر سهلًا، لكنه حدث. أدركت أنني لا أحتاج أن أحمل أثقالًا لا تسعني، ولا أن أسهر على حكايات انتهت منذ زمن. أحيانًا، أكبر دليل على حب الذات هو أن نتعلم كيف نضع حدًا لما يستنزف أرواحنا.
.
عندما تكتب لا تجعل قلمك
سهما يجرح القلوب ،
ولا قلما يذكر العيوب ..
ولا قلما ناكرا لا يعرف الشكر
وشعاره الجحود والنكران
بل اجعل قلمك أنيقاً ذو شعار لطيف
" للأيام التي لها القدرة على التذكير بأن لنا.. قلب!
لـ الورود التي تنوب عنا في وصف اللطافة،
و للشمس التي تسبقنا إلى نوافذ الأماني!
للمروج الخضراء التي ولو سرقت لون الروح لغفرنا لها!
إلى ذلك الوجه الذي لم أُبصره يومًا،
ولكنه مأوى الروح ومسكن الأحلام،
أخطُّ إليك حروفًا كأنها
جمراتُ شوقٍ تخبئها أكفُّ اللهفة،
تنبض بها القلوب كما ينبض الغمام
بالقطر عند اشتداد الحرور.
يا مَن تتقاطع فيك المعاني بين الأمل والحُب،
وبين الحيرة واليقين،
كأنك نجمٌ بعيدٌ يلوح لي في ظلمة ليلٍ
لا يعرف الفجر طريقه.
أراك في كل شيء،
في صمت الصباح حين يتنفس،
وفي هبوب النسيم وهو يلامس أوراق الشجر
بحنوٍّ كأنه عاشقٌ لا يجرؤ على الاعتراف.
أراك في زُرقة البحر
إذا انكفأت على أمواجه،
وفي خضرة السهول
حين ترقص سنابلها مع الريح.
يا مَن لم ألقَك،
لكني أرى وجهك مطلًّا
من صفحات الأمل كلما
أغلقتُ باب اليأس،
هل تُراك تسمع نبضاتي
التي تخطُّ هذا الخطاب؟
أم أنّ المسافة بيننا أبعدُ من أمد النظر؟
إنك لا تعلم كيف يثور بي الحنين
إلى شيءٍ لم أبلغه بعد،
إلى لقاءٍ لا أعرف ملامحه،
لكنه محفورٌ في أقدار الروح.
فإن كان للحب لسانٌ يُنطق،
أو جناحٌ يُحلق، فأنت سماؤه،
وأنت لغته.
ابقَ كما أنت،
قريبًا وإن بعدت،
ونورًا وإن غاب عني شعاعك.
فلا يُطفئ الشوقَ إلا عناقُ اليقين،
ولا يُحيي القلبَ إلا وعدٌ منك بأنَّ
دروبنا ستلتقي يومًا،
وإن كان ذلك في عوالم الحلم.