فعاليات متجدده وممتعه عبر صفحات منتدانا الغالي |
✬ المرآه و بـرَاءة طفُولـة ، عَالم الطّفـل الجميل ✬ نَهتم بأدَق تفاصِيل أطفَالنا | |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||
|
|||||||
السعادة الزوجية..
مقومات السعادة الزوجية
الشيخ الدكتور ناصر بن سليمان العمر بسم الله الرحمن الرحيم أولاً: المقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: ( ) فإن موضوعنا – أيها الأحبة – الذي يدور عليه حديثنا يتعلق بناحية مهمة في حياتنا الاجتماعية، ولذا فإني أقدمه هدية لكل عروسين، بل لكل واحد منكم، والهدية – كما تعلمون – تعبير صادق عن المحبة الكامنة في الفؤاد، والرّغبة في إدخال السرور على قلب كلٍّ من الزوجين، وهي وإن اعتاد الناس كونها مادية، إلا أني سأقدمها معنوية، إيثاراً لما يبقى على ما يفنى: لا خيلَ عندك تُهديهــا ولا مـال فليُسعد النطقُ إِنْ لم تُسعدْ الحَالُ ولذا أحببت معالجة هذا الموضوع الذي يدور بِخَلَد الكثيرين ممن وقفوا على عتبة باب الزواج من فتيان وفتيات، سائلاً الله أن تكون هذه المعالجة سبيلاً إلى تحقيق السعادة لهم جميعاً في الدارين. إنه ولي ذلك والقادر عليه. وقد دفعني لاختيار هذا الموضوع عدة دوافع أذكر أهمها: 1- أهمية هذا الموضوع، حيث إن السعادة الزوجية مطلب ضروريّ لك راغب في الزواج، ومقبل عليه، وواقع فيه. 2- كثرة وقوع المنازعات والخلافات الزوجية التي تؤدي إلى الفرقة والشقاق، ومن ثمّ الطلاق؛ وليس هذا في مجتمعنا فحسب، بل لا يكاد مجتمع يسلم من زخم الأرقام الهائلة لحوادث الطلاق، وخير دليل نقدمه على صدق هذه الدعوى ما أثبتته الإحصائيات لنسب الطلاق على المستوى الدولي. ففي أمريكا وصلت نسبة الطلاق إلى (48%). بينما وصلت في ألمانيا لمن هم دون الخامسة والعشرين عاماً إلى (35%). وفي أوربا عموماً وبعض الولايات الأمريكية وصلت إلى (62%). وإذا انتقلنا إلى الدول العربية، وجدنا بعضها قد وصلت فيه النسبة إلى (20%). وهذه النسب كلها مذهلة، حيث تجد نسب الطلاق تصل إلى ما فوق النصف، أو الثلث، أو حتى إلى الخمس. فضلاً عن تلك البيوت التي تتشبث بعقد الزوجية مع ما تعيشه من اختلاف وتمزق وتعاسة. 3- أن الأسرة المستقرة تُخرّج الأجيال الذين يُعدون لحمل رسالة الإسلام. فنحن بحاجة إلى الشاب الصالح والفتاة المؤمنة اللذين يتربيان في بيت ترفرف عليه السعادة؛ لا الفراق والشقاق، وهنا ينشأ الأولاد في جو نفسي رائع بعيد عن التوتر والقلق، وفي مثل هذا البيت يتخرّج الدعاة والمصلحون. وقد استشرت في هذا الموضوع المهم وهو "مقومات السعادة الزوجية" ذوي الاختصاص، كما رجعت إلى بعض المراجع، واستفدت من ذوي الخبرة والتجربة، وخرجت من هذا كله بخلاصة تحوي (معظم) مقومات السعادة الزوجية. ولطول الموضوع، وكثرة ذيوله، فإنّي سأذكر هذه المقومات على سبيل الإيجاز والاختصار والتركيز الشديد. وقبل أن ألجَ في خِضَمّ الموضوع، أحب أن أشير إلى اهتمام الإسلام وعنايته البالغة بشأن الزواج، وترغيبه التام، وحَثّه المُطّرِد عليه، وذلك في آيات وأحاديث كثيرة، أشير إلى بعض منها على عجالة: فمن الآيات: 1- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً) (النساء: الآية 1). 2- قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ) (الروم: من الآية21). 3- وقوله تعالى: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الذاريات: الآية 49). 4- ومن صفات المؤمنين التي يذكرها الله لنا في معرض المدح: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) (الفرقان:74). فهم ينشدون السعادة في أزواجهم وأولادهم، ويسألونها من القادر عليها – سبحانه -. ومن الأحاديث: 1- قوله : "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج"( ) الحديث. ما رواه أنس، أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، سألوا أزواج النبي صلى الله عليهم عن عمله في السرّ؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء! لا وقال بعضهم: لا آكل اللحم! وقال بعضهم: لا أنام على فراش! فحمد الله وأثنى عليه، فقال: "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام؛وأصوم وأفطر؛ وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني"( ). أيها الأحبة إن بناء الأسرة من ضرورات قيام هذا الدين، لأن الأسرة لبنة المجتمع الأولى، وأساس هذا البناء الزواج الناجح المبني على أسس سليمة وأهداف مستقيمة، لأن اختلال الأسس، وتفاهة الأهداف تؤدي إلى انعدام الثمرة من التزاوج، وخذ على هذا مثلاً: أولئك الذين يقدمون على الزواج للمتعة، وقضاء الوطر فقط مجرداً عن المعاني العظيمة التي يُقصد الزواج من أجلها، فسرعان ما يمل أولئك الحياة الزوجية، لأنهم أخطأوا تحديد الهدف منذ البداية. والإسلام حينما نزل هداية للبشرية، جاء بتشريع كامل شامل لجميع مناحي الحياة، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (المائدة: 3). لا تجد مسألة إلا وفي الإسلام تشريعها، ولا مشكلة إلا ولها دواؤها. يقول أبو ذر – رضي الله عنه – مترجماً هذا المعنى: "لقد تَرَكَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يتقلب في السماء طائر إلا ذكّرنا منه علماً"( ). والحياة الزوجية حظيت كغيرها بتشريع متكامل، وعالج الإسلام جميع جوانبها مما يضمن حياة سعيدة هانئة مستقرة. ولقد كنت أتساءل عن سر هجوم أعداء الله الشرس على الأسرة المسلمة، ومحاولتهم نصب الشباك لإيقاعها في شرَك التمزق والاختلاف؟ فكان الجواب: أن الأعداء أدركوا أن انهيار الأسرة المسلمة معناه تلقائياً: انهيار المجتمع الإسلامي بكامله؛ فمتى فرَّخت القلاقل والمشكلات في بيت، فلا تنتظر أن يتخرّج فيه جيل صالح. لقد زرت إحدى دور الأحداث، وأذهلتني الإحصائيات المتوافرة هناك، والتي أثبتت أن ما بين 70 إلى 80% من أسباب دخول الأحداث للدار، هو وجود الخلاف الناشب بين الزوجين، أو وقوع الطلاق. وقد قسمت إحصائياتهم حسب الأحياء، وبتتبع يسير، وجدتُ أن الأحياء التي يكثر فيها وجود الخلافات والمنازعات بين الأزواج يكثر دخول أحداثها للدار، خلافاً لتلك الأحياء التي يقلُّ في بيوتها وقوع الشقاق بين الأزواج، فإن دخول أبنائهم للدار قليل جداً. أرأيتم – أيها الإخوة – ما تُسببه نارُ المنازعة من تصدع في كيان الأسرة، وتقطُّع لأوصال المجتمع، وانهيار ف بناء الأمة، ومن هنا فَطِنَ الأعداء لهذا المدخل الخطير، وبذلوا ما في وسعهم لهدم بنائه وتحطيم جدرانه، نسأل الله أن يرد كيدهم في نحورهم. ثانياً: مقومات السعادة الزوجية بعد هذه العجالة في بيان شأن الزواج، وأهميته في الإسلام، وضرورة تحقيق السعادة في الحياة الزوجية، ودور الأسرة في بناء كيان الأمة، أنتقل إلى الحديث عن مقومات السعادة الزوجية، والتي سأحاول جاهداً – بعون الله – ربطها بالواقع، لتكون أقرب إلى الأفهام، وأدعى للقبول. وهي تكمن إجمالاً فيما يلي: أولاً: أمور يجب أن تراعي قبل الزواج. ثانياً: القيام بالحقوق الزوجية. ثالثاً: الواقعية في الحياة الزوجية. رابعاً: معرفة كل من الزوجين نفسيّة صاحبه. خامساً: الأولاد. سادساً: حسن العلاقة مع الآخرين. سابعاً: القدرة على حل المشكلات. ثامناً: أمور متفرقة. وسألقي الضوء على كل قضية من هذه القضايا، مع محاولة الإيجاز ما أمكن، إلا عند اقتضاء الأمر البيان والإيضاح لما يستدعي الإطالة وطول التأمل. ثالثاً: أمور يجب أن تراعى قبل الزواج ثمة مسائل يتعين على المقبل إلى الحياة الزوجية مراعاتها والعناية بها: 1- حسن الاختيار: روى أبو هريرة – رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " تُنْكَح المرأة لأربع: لجمالها،ولمالها، ولنسبها، فاظفر بذات الدين تربت يداك " ( ). إن مسألة حُسن الاختيار أمر مُهم، لا يختلف فيه اثنان، ولكن الذي يدور عليه الاختلاف هو: كيف يكون الاختيار حسناً؟. حيث نجد أنّ كثيراً من الناس يغلب على اهتماماتهم شأن الجمال، أو الحسب، أو المال، وهذا ليس خطأ في حد ذاته، ولكن الخطأ أن يتنازل الرجل عن أهمّ مواصفات الزوجة، وهو (الدين) على حساب وجود المواصفات الأخرى كلّها أو بعضها، فالدّين، الدّين، تَرِبَتْ يداك. وكما أن الرجل مطالب أن يُحسن اختيار شريكة حياته. وأمّ أولاده. يجب على وليّ المرأة أن يُحسِنَ اختيار الرجل المناسب، ليكون زوجاً لموليته. وإنه لمن المؤسف حقاً أن يستحوذ السؤال عن المكانة والوظيفة والمال والمنصب على ذهن الولي، ويتناسى الدِّين الذي لا يجوز التنازل عنه ألْبتة، وليس اهتمامه بالأمور الأخرى مضراً إلا إذا اقتصر عليها، وتنازل عن رأس الأمر كلِّه ألا وهو الدين، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من تِرضون دينه وخُلُقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"( ). وحسن الاختيار لا يقتصر فيه كل من الزوجين على صاحبه فقط، بل ينبغي أن يتعداهما إلى ذويهما وأهلهما، فقد تكون أم الزوجة امرأةَ سوء، تؤثِّر على ابنتها بأخلاقها، وتزرع الشقاق بين ابنتها وزوجها. وقل مثل ذلك فيمن عداها مما يتصل ببيئة الزوجين، وإيّاكم وخضراء الدِّمَنْ. 2- رؤية الخاطب لمخطوبته: وهذه المسألة من المسائل التي صار الناس فيها على طرفي نقيض، ما بين مُفْرِط ومُفَرِّط، وخاصة في مجتمعنا! فمن الآباء من يعتبر رؤية الخاطب لابنته عيباً كبيراً، وأمراً عسيراً، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حثَّ عليه، ورَغَّب فيه، وأمر به، فهو يقول للمغيرة، وقد خطب امرأة: "انظر إليها؛ فإنه أحرى أن يُؤدَم بينكما"( ). وأبو هريرة يقول: " مكثت عند رسول الله فأتاه رجل من الأنصار، فأخبره أنه تزوّج امرأة من الأنصار، فأمره الرسول أن يذهب وينظر إليها " ( ). والحاصل: أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم، قد أمر برؤية المخطوبة لأنه سبب في دوام العشرة، وبقاء المودة، وطول الأُلفة. وعدم السماح بالرؤية مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم، ومجانبة لسنته، والخير كل الخير في اتّباع نهجه، واقتفاء أثره. وفرّط آخرون ففتحوا الباب على مصراعيه، وتركوا الحبل على الغارب، فالخاطب لا ينظر فقط، بل يخلو بالمخطوبة ويحادثها ويضاحكها، وقد يصل الأمر إلى الخروج بها، واصطحابها إلى المتنزّهات والأسواق وغيرها، مما يسفر عن محاذير وفجائع، يذهب ضحيتها الفتاة المسكينة؛ والأب المخدوع. ولا خير إلا في سلوك الصراط السوي، واتباع المنهج النبوي، حيث يُمَكّن الخاطبُ من رؤية ما يُرَغِّبه في مخطوبته، كالوجه واليدين والشعر وما إلى ذلك، بحضور أحد محارمها. 3- عدم المغالاة في المهور وحفلات الزواج: أ- عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: " كان صداق النبي لأزواجه اثنتي عشر أوقية " ( ). ب- وقال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: " ما نكح رسول الله نساءه، ولا أنكح بناته، على أكثر من اثنتي عشر أوقية " ( ). جـ- وقال – عليه الصلاة والسلام-: "خير الصداق أيسره"( ). يقول أحد الكتّاب في هذه المسألة: "إن التوسط والبعد عن الإفراط والخيلاء وحب المظاهر، من أسباب السعادة الزوجية والتوفيق بإذن الله، وهو أمر مطلوب من الأغنياء والوجهاء قبل غيرهم؛ لأنهم هم الذين يصنعون تقاليد المجتمع، والآخرون يتشبهون بهم". إن بساطة المهر، وحفل الزفاف، خطوة تحتاج إلى عزيمة صادقة، وهمّة عالية، لا تبالي بأقوال سفهاء الناس ودَهْمائهم. وأكثر الناس في قضية المهر، طرفان: غالٍ، وجافٍ، وكلاهما مذموم، فبينما نرى رجلاً يُبالغ في التبسيط حتى يصل مهر ابنته إلى ريال واحد، نجد آخر يغلو ويسرف حتى تبلغ نفقات ليلة الزفاف ما يكفي لزيجات كثيرة. ولسائل أن يقول: ما علاقة بساطة المهر، وقلة نفقات الزواج بالسعادة الزوجية؟ فنقول: إن الرجل الذي أُثقِل كاهلُه بجمع الأموال الطائلة، التي قد يكون أكثرها قد تحمله دَيناً على ظهره ينوء بثقله زمناً طويلاً، إنه لا بد أن يتوقع في عروسه المثالية في الجمال والكمال وحسن الحال، وحينما ترحل الليالي الأولى بلذائذها وأفراحها، سيظهر من الزوجة مع الأيام تقصير في شأن من شئون الزوجية، مما يغضب الزوج، ويدفعه لتبكيتها: خسرتُ عليك، ودفعت فيك، وأنفقت من المال لأجلك مما أثقل الكاهل، وأنت تفعلين وتفعلين، وهكذا ديدنه عند حدوث أي مشكلة، خاصة، وإن اجتمع عليه مع ذلك ملاحقة الدائنين، وشكاوي الطالبين، فإن الأمر يتفاقم سوءاً في صدره، همٌّ في النهار، وأرقٌ في الليل، وزوجة لها حقوق، فلا خلاص إلا بالطلاق والفراق، وإن لم يكن فنزاع دائم وشقاق. أما إن تمت مراسيم الزواج، ونفقات المهر، على ما سنّه المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمته، فإن الرجل وإن وجد عيباً أو رأى تقصيراً سينعقد لسانه عن ثلبها حياءً، لا محالة، وسيتذكر أن لأبيها فضلاً عليه، حين طلب مهراً مناسباً. وهذه سعادة سببها تخفيف المهر ومعقوليته. رابعاً: القيام بالحقوق الزوجية أولاً: حقوق الزوج على الزوجة : وهذه قضية طويلة ذات ذيول وشعب، لكن سنحاول المرور على أهم قضاياها بتركيز وإيجاز. علماً بأن مدارها وخلاصتها في قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء:19) وقوله – جل شأنه -: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: 228). والحقوق ثلاثة أقسام: الأول: حقوق الزوج على الزوجة: وأصل هذه الحقوق، قوله -تعالى-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء: 34) وقوله – جل شأنه -: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) (البقرة: 228). وحقوق الزوج تتلخص فيما يلي: أ- القوامة: وهذا حق تنازل عنه كثير من الرجال بمحض اختيارهم، مما سبب كثيراً من المشكلات العاصفة باستقرار عش الزوجية، وقد يظن قوم أن في تنازل الرج لعن قِوامته لزوجته إسعادٌ لها، وهذا ظنٌّ خاطئ، ذلك لأن المرأة بفطرتها تحب أن تأوي إلى ركن تلجأ إليه، حتى وإن تحدثت بعض النساء أمام صويحباتها بفخر أن زوجها يطيعها، ولا يعصي لها أمراً، مما يوحي بضعف قوامته عليها، فإنها في داخل نفسها تشعر بضعف وخلل في بنية الأسرة. وعلى العكس منها، تلك المرأة التي تظهر الشكوى من زوجها ذي الشخصية القوية، والقوامة التامة، فإنها وإن باحت بذلك، تشعر براحة توائم فطرتها، وسعادة تناسب ما جُبلت عليه. ولعلي أوضح هذه القضية بمثالٍ يسفر عن وجه الحق فيها فبالمثال يتضح المقال: إذا انفلت زماما الأمن في بلد ما، فإن للشعب أن يفعل ما يشاء، لكنه لا يشعر بالاستقرار النفسي، وسيلاحقه خوف مقلق، وجزع مؤرق من جراء ذلك، وقل ضد ذلك إذا ضبطت أركان الدولة، وتولى زمام الأمور رجال أقوياء، مع أنه سيضايق فريقاً من الناس، إلا أنهم سيشعرون باستقرار داخلي، وراحة وأمن وهدوء بال. ولذلك فإن تنازل الرجل عن قوامته أمر يُشقي المرأة ولا يُسعدها، ويُسبب وهناً في بناء الأسرة، وتقويضاً في أركانها، وصدق رسول الله حيث يقول: " لن يُفلح قومٌ وَلّوْا أمرهم امرأةً " ( ) وهذا عام حتى في أمر البيت. وأرى من أجل استقرار الحياة الزوجية أن تُطالب المرأة زوجها بالقيام بقوامته على الأسرة كما تُطالبه بالنفقة إذا قصّر فيها. ب- الطاعة بالمعروف: ودليل ذلك قوله تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) (النساء: 34). ومن السُّنَّة: ما جاء في قصة عمّة حُصين بن محصن التي جاءت للرسول فسألها: "أذات زوج أنت؟ قالت: نعم. قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه - أي لا أقصر في خدمته وطاعته - إلا ما عجزت عنه" فقال لها: "انظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك"( ). جـ- ألا تأذن لأحد في بيته إلا بإذنه: ودليل ذلك، ما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه"( )الحديث. قال النووي – رحمه الله -: "في هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يفتات على الزوج بالإذن في بيته إلا بإذنه، وهو محمول على ما لا تعلم رضا الزوج به، أما لو علمت رضا الزوج بذلك، فلا حرج عليها"( ). كما جرت عادته بإدخال الضيفان موضعاً معدّاً لهم، سواء كان حاضراً أو غائباً، فلا يفتقر إدخالهم إلى إذن خاص لذلك، وحاصله أنه لا بد من اعتبار إذنه تفصيلاً أو إجمالاً( ). د- خدمتها له: خدمة الزوجة لزوجها حقٌّ واجب له عليها، وهذه المسألة وإن وقع فيها خلاف بين أهل العلم، إلا أن القول الصحيح، أنّ خدمة الزوجة لزوجها واجبة من مثلها لمثله، كما مرّ في قصة عمة حُصين الآنفة الذّكْر، فهي تختلف من بيت لآخر، ومن زوج لزوج، ومع ذلك نجد من النساء من ترهق زوجها، فتطالبه بخادمة مع قدرتها على القيام بشئون البيت، واستغنائها عمّن يخدمها، وما يدعوها لذلك إلا حب المباهاة والمفاخرة والتقليد الأعمى. وهذا أحد المنغصات للحياة الزوجية السعيدة، لما فيه من كلفة على الزوج، وإدخال عنصر غرب لا حاجة له في البيت، وبقاء الزوجة في البيت بلا عمل يشغل بالها ويُولّد في نفسها أعمالاً أخرى هي ثقل على كاهل الزوج لتملأ الفراغ الذي تُحسُّ به. ولعل الدهشة تصيبك حينما تسمع رجلاً يتحدث في مقابلة أجريت معه في الإذاعة، يحكي فيها أن مرتبه سبعة آلاف ريال، ويسكن في شقة مستأجرة، ولديه خادمتان، ويعلل هذا التصرف بأن زوجته هي التي أرادت ذلك!! وما يقال للزوجة، يقال للزوج، إذ عليه ألا يكلّفها فوق طاقتها بل يجب أن يراعي قدرتها وطاقتها على العمل. هـ- ألا تصوم تطوعاً وهو حاضر إلا بإذنه: ودليل ذلك ما روته عائشة – رضي الله عنها – عن رسول صلى الله عليه وسلم : "لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه"( ). وذلك لأن صيام التطوع قد يُفَوِّت على الزوج كمال الاستمتاع بزوجته ويحرمه منها أثناء صيامها، فإن رضي به فقد أسقط حقّه باختياره، وهذا إنما هو في الصيام النافلة دون الواجب. و- أن تحافظ على نفسها وماله وأولاده: المرأة في بيت زوجها مسترعاة على ما فيه، وأنفس ما في بيت الرجل زوجته وماله وأولاده، وهي أمانة بيد المرأة يجب عليها تمام حفظها ورعايتها. فهي رعية ستُسأل عنها المرأة يوم القيامة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسئولة عن رعيتها"( ). وبهذا الحق نكون قد أتينا على خاتمة أبرز حقوق الزوج على زوجته. الثاني: حقوق الزوجة على زوجها: ويتلخص أهمها فيما يلي: أ- المهر: لقوله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) (النساء: 4). ويُلحظ في هذا الأمر ما بينته سابقاً، فلا إفراط ولا تفريط، ولا إسراف ولا تقتير. ب- النفقة والسكن: لقوله -تعالى-: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: 233). وقوله تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) (*) (الطلاق: 6). ولما روى حكيم بن معاوية عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، ما حق الزوجة على أحدنا؟ قال: "أن تَطعمها إذا طَعِمْتَ، وأن تكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبّح، ولا تهجُر إلا في البيت"( ). وأخرج الشيخان أن الرسول قال لهند بنت عتبة عندما جاءت تشكو شُحّ أبي سفيان عليها وعلى ولدها، قال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"( ). جـ- المعاشرة بالمعروف وحسن الخلق: قال الله تعالى مبيِّناً هذا الحقّ: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء: 19). وقال عليه الصلاة والسلام: "خيرُكم خيرُكُم لأهله، وأنا خيركم لأهله"( ) . ولأجل إنفاذ هذا الحق فإننا نطالب الزوج بالتزام المنهج الشرعي في معاشرة الزوجة بالمعروف، ومعاملتها بالحسنى امتثالاً لقوله تعالى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) (البقرة: 229). يقول الشاعر مصوِّراً الوُد الطبيعي والمتكلف، ومبيناً صفات كل منهما وأثره: إذا المـرء لا يلقـاك إلا تكلفــا فدعه ولا تكـثر عليـه التأسـفا ففي الناس أبدال وفي الترك راحة وفي القلب صبرٌ للحبيبِ ولو جفا إذا لـم يكـن صفـو الوداد طبيعة فلا خــير فــي ود يجـيء تكلفـا ولا خير في خـلٍّ يخـون خليلَـه ويلقـاه مـن بعـد المــودة بالجفـا وينكر عيشـا قـد تقـادم عهـده ويـظهـر سـرا كـان بالأمس قد خفا سلام على الدنيا إن لم يكن بهــا صـديق صـدوقٌ صـادق الوعد منصفا يتبع تعلمت الصبر و البال مهموم
تعلمت السهر وماعرفت النوم تعلمت اضحك و الفرح معدوم بس ماقدرت اتعلم كيف اصبر وان منك محروم |
12-13-2013 | #2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
رد: السعادة الزوجية..
الجزء الثاني
وليعلم أن الناس في العشرة طرفان مذمومان. فمنهم من لا تعرف الرحمة والعطف إلى قلبه سبيلاً. ومنهم من يفرط في التساهل والتسامح حتى ينفلت زمام الأمور من يده، والحق وسط بين الغالي فيه والجافي عنه. د- حق المبيت والمعاشرة: وهذا حق يجب على الزوج أن يقوم به، ويراعيه حتى لا يضطر حليلته إلى الخروج عن حيائها. وهذا الحق من الحقوق التي يقع الخلل في أدائها من قبل بعض الأزواج، فتراه في دنياه لاهثاً أو يدمن السهرات مع الأصحاب والخلان ولا يَؤوب إلا في ساعة متأخرة من الليل، قد أرهقه التعب وأضناه اللعب، واستنفد ما في جعبته من المرح واللهو مع مسامريه، فيدخل بلا سلام ولا كلام، ويرتمي على فراشه كالجيفة، ولو قُدّر له أن يقضي وَطَرَه منها، قضاه على وجه لا تشعر معه المرأة بسعادة، وكأنها ما بقيت في البيت إلا للكنس والطبخ والخدمة وتربية الأطفال، فهي في نظره أو كما يعبر عنه واقعه معها ليست بحاجة إلى قلب يعطف عليها ورجل يداعبها ويحنّ إليها، ويروي عاطفتها، ويُشبع غريزتها. وإذا كان الرجل يُنهى عن الانهماك في العبادة لأجل إتمام هذا الحق لزوجته فكيف بإهدار الوقت وإضاعته في السهرات العابثة والليالي اللاهية؟ جاء سلمان الفارسي لأبي الدرداء يزوره، وقد آخى بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أم الدرداء مبتذلة، فقال: ما شأنك؟ قالت: إن أخاك لا حاجة له في الدنيا،يقوم الليل، ويصوم النهار!! فجاء أبو الدرداء، فرحب به، وقرب إليه طعاماً فقال له سلمان: كُلْ. قال: إني صائم، قال: أقسمت عليك لتفطرن، فأكل معه، ثم بات عنده، فلما كان الليل، أراد أبو الدرداء أن يقوم، فمنعه سلمان. وقال: إن لجسدك عليك حقاً، ولربّك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، صُم وافطر، وائت أهلك، وأعط كل ذي حق حقه، فلما كان وجه الصبح، قال: قم الآن إن شئت، فقاما، فتوضآ ثم ركعا، ثم خرجا إلى الصلاة، فأتى النبي صلى الله عليه، فذكر ذلك له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق سلمان"( ). هـ- تعليمها أمور دينها: أهم من النفقة والمبيت أن يعلمها الزوج أمور دينها وبخاصة إذا كانت المرأة لم تأخذ من التعليم الشرعي ما يكفيها في أمور دينها ودنياها، وعلى الزوج أن يتخذ من الوسائل الشرعية ما يُكمّل به هذا الجانب، والرسول صلى الله عليه وسلم، كان يعلم تساءه أمور دينهن، وزوّج رجلاً من الصحابة امرأة على ما معه من القرآن. وهذا الأمر تسال فيه كثير من الأزواج فالله المستعان. و- الغيرة عليها: من أبرز حقوق الزوجة وواجبات الزوج أن يصون كرامتها ويحفظ عِرْضها، ويَغَار عليها. ومن المؤسف أن بعض حيوانات الغابة أكثر غِيرةً على زوجاتهن من بعض الرجال، فتراه يطلق العنان لزوجته تختلط مع الرجال وتحادثهم، وتذهب للأسواق وحدها، وقد تركب مع السائق وحده، وإذا كان الحمو( ) هو الموت كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكيف بغيره. ومن ضعف الغِيرة أن ترى المرأة الرجال في آلات اللهو والفساد. ومن أشد الصحابة غيرة سعد – رضي الله عنه – حتى قال فيه صلى الله عليه وسلم: "أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أَغْيَرُ منه والله أغير مني". رواه مسلم. فأدوا حقوق زوجاتكم بالغيرة عليهن، وإلا فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية. الثالث: الحقوق المشتركة بين الزوجين: هناك حقوق مشتركة تجب لكل واحد من الزوجين تجاه صاحبه، وليست خاصة بأحدهما، نلخصها فيما يلي: أ- عدم إفشاء السر: كل واحد من الزوجين مطالب بكتمان ما يراه من صاحبه، أو يسمعه منه، وهذا أدب عام حثّ عليه الإسلام، ورغب فيه وبخاصة ما يقع بين الزوجين، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن من أشرّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يُفْضي إلى امرأته، وتُفْضي إليهن يم ينشر سرّها"( ). يقول الشاعر: واحفَظْ لسـانَكَ واحتَـرِزْ مـن لفْظهِ فالمرءُ يسـلمُ باللسانِ ويعطَـبُ وزِنِ الكــلامَ إذا نَطَقْــتَ ولا تكن ثرثـارةً فـي كلِّ نــادٍ تخطـُبُ والسـرّ فـاكتمْـهُ ولَا تنطـقْ بِـهِ فهـوَ الأسـيرُ لـديكَ إذْ لا ينشِبُ واحرصْ علَى حفظِ القلوبِ من الأذَى فرجوعُها بعـدَ التنـافرِ يصعُـبُ إنَّ القلــوبَ إذا تنـافرَ ودُّهَـــا مثلُ الزجاجـةِ كسـرُهَا لا يُشعبُ ب- المناصحة بينهما: للتناصح وبخاصة بين الزوجين دور كبير في الارتقاء بمستوى الأسرة، ورتق الفتوق الواقعة فيها، وإنارة درب السلامة من التردّي في الخطأ، بيد أن كثيراً نما لأزواج يرى من غير الطبيعي أن تؤدي المرأة دورها في نصيحة زوجها، وأن من السائغ والمعتاد أن تكون من جانبه دونها، ويصل الظنّ بجملة منهم إلى أن قيامها بالنصيحة نوع من التطاول والعجرفة، وخدش لكرامة الرجل، وقوامة الزوج، وهذا خطأ ظاهر، وهدم لعش الزوجية وسعادة الأسرة. جـ- الشورى: بمعنى أن يكون التشاور وتداول الرأي قائماً بين الزوجين فيما يتعلق بشئون البيت، وتدبير أمر الأسرة، ومصير الأولاد، وليس من الحكمة في شيء أن يستبد الرجل برأيه ولا يلتفت إلى مشورة امرأته، لا لشيء، إلا لأنها امرأة، ومشورتها قدح لقوامته عليها في نظره السقيم. فكم من امرأة أدلت برأي صار له أكبر الأثر في استقامة أمور وصلاح الأحوال، وخير من يقتدى به في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أن دخل على أم سلمة غاضباً مما فعل أصحابه يوم الحديبية حيث أمرهم بالحلق والتحلل فكأنهم تحرجوا وتباطؤوا، فأشارت عليه أم سلمة أن يحلق هو حتى يحلقوا، فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بمشورتها، فما كان إلا أن بادروا إلى امتثال أمره عليه الصلاة والسلام. د- صدق المودة بين الزوجين: مما لا تتم السعادة الزوجية إلا به، تحبب كلٍّ من الزوجين إلى صاحبه وإظهار صدق المودة، وتراشق الكلمات الحنونة، فإن ذلك أحسن ما تستقيم به أحوال الزوجين، وأفضل ما تبنى عليه حياتهما، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك مع أزواجه – رضي الله عنهن – ولسنا بخير منه حتى نستنكف عما فعله، ولما امتدح الله حُورَ الجنة ذكر من جميل أوصافهن كونهن (عُرُباً أَتْرَاباً) (الواقعة:37). والعروب: هي المتحببة إلى أزواجها. والحياة الزوجية التي يُفقد من قاموسها الكلمات الطيبة الجميلة، والعبارات الدافئة حياة قد أَفَلَتْ أنجُم السعادة فيها. ولا خيرَ في وُدِّ امرئٍ مُتلوِّنٍ إذا الـريحُ مالتْ مالَ حيثُ تميلُ وكم من حُسْنٍ في الخُلُق غطى عيباً في الخَلْق. خامساًً: الواقعية في الحياة الزوجية للواقعية نصيب وافر في رَفْرَفة أجنحة السعادة على عش الزوجية، ويمكن الحديث عنها عبر المجالات الآتية: أ- الواقعية في المهور وحفلات الزواج والهدايا: إن إثقال كاهل الزوج بمهر باهظ وحفلة زفاف مجحفة لا يعود على الحياة الزوجية إلا بالنكد والهم والتعب، لذا لا بد أن يكون المهر وحفلة العُرس موائمة لحال الزوج مناسبة لوضعه المادي، لنضمن – بإذن الله – هدوء نفسه، وراحة باله، وطمأنينة قلبله، حتى يستقبل حياته الزوجية بانشراح ورغبة. ومثل ذلك يُقال، فيما تعارف الناس عليه من الهدايا في الأعراس والمناسبات. إذ يجب أن يكن بقدر حال الزوج، وليس من مصلحة المرأة أن تلحّ وتطالب بما هو أغلى ثمناً وأعلى قدراً مما لا تسمح ظروف الزوج المادية به، وكثرة ذلك مؤذنة بغياب السعادة وأفول شمسها من عش الزوجية إن لم يصل الحد إلى أمر لا تحمد عقباه. ب- الواقعية في النفقة: إن من خير ما تحلّت به المرأة المسلمة من الصفات مع زوجها مراعاتها لطاقته وقدرته في النفقة، فلا إلحاح في حالة العسر، ولا شراهة في وقت اليسر، بل تلبس لكل حالة لَبُوسها، وترضى منه باليسير، وشرذث ما اتصفت به المرأة الشراهة وكثرة المطالب وهذا لا يزيدها من زوجها إلا بُعداً، ولا من قلبه إلا بُغْضاً. وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه شهراً لما سألنه في النفقة، وأكثرن عليه فيها حتى أنزل الله سبحانه قوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) (الأحزاب: 28، 29). فخَيَّرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنه( ). وعلى الرجل أيضاً ألا يكون شحيحاً على أهله، مقتّراً عليهم، بل ينفق عليهم من سعته ولا يكلف الله نفساً إلى ما آتاها، (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) (الطلاق: 7). جـ- الواقعية في الصفات وتجنب المثالية: وهذه الخصلة لا تكاد توجد إلا عند نزرٍ يسير من الناس ممن وفقهم الله، بينما غالبهم عندما يهمَُ بالزواج يرسم الزوجة في ذهنه رسماً يتواءم مع طموحاته الوهمية البعيدة عن أرض الواقع. وكأنه يصور بيده تمثالاً لامرأة وهمية، مما حدا بأحد الأذكياء، عندما أخبره صاحبه بالصفات التي ينشدها في شريكة حياته، أن قال لمحدثه: إن المرأة التي تطلب موجودة، ولكن عليك أن تنتظر إلى أن نُبعث لأن امرأة بمثل ما تذكر لا توجد إلا في الجنة. نعم إن الاعتدال في المطالب والصفات لا بد وأن يكون مركوزاً في ذهن كل من الزوجين، ويجلي ذلك بوضوح قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر"( ). وتلك هي سنة الله في خلقه ألا يجتمع الكمال في كل الصفات في عامة البشر، فقد تكون المرأة وسطاً في الجمال لكنها ذات دين وخلق عظيم. ولو وقف نُشّاد الكمال مع أنفسهم وقفة تأمل ومحاسبة لوجدوا أنهم لم ينصفوا، إذ غالب ما يطلبونه قد لا يكون متوافراً فيهم، فكما أنك تريد فغيرك يطلب منك ما تريد وإلا صار مصيرُك مصيرَ ذلك الرجل الذي ظل يطلب الزوجة المثالية في نظره ردهاً طويلاً من عمره فلما وجدها وتقدم لخطبتها، رفضته، لأنها لم تجد بُغْيتها فيه، فعاد بالخيبة والحرمان. د- الواقعية في المطالبة بالحقوق وأداء الواجبات: ليس من حسن العشرة أن يُكلّف الزوج امرأته شططاً، وينهكها في تحقيق حقوقه تعباً، بل عليه أن يسلك هدياً قاصداً، ويتغاضى عن بعض حقوقه في سبيل تحقيق المهم منها، إحساناً للعشرة، وتخفيفاً على الزوجة. وكذا حال المرأة مع زوجها لتستديم محبته، وتكسب ثقته ومودته. والواقعية في هذا قد نبه عليها الشاعر بقوله: فسامح ولا تسـتوف حـقك كلـه وأبـق فلــم يســتوف قـط كـريم ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كــلا طـرفي قصـد الأمـور ذميـم وآخر يقول مبيناً ضرورة الواقعية في الصحبة: سـامـحْ أخاك إذا خلَـط منـه الإصابـة بالغلـط وتجــاف عـن تعنيفـه إن زاغ يومـا أو سـقط واحــفظ صنيعـك عنـده شـكر الصنيعـة أو غمط وأطعــه إن عـاص وهُنْ إن عـز وادنُ إذا شـحط واعـلـم بــأنك إن طلبت مهذبــا رُمْـت الشـطط مـن ذا الذي ما ساء قـط ومـن لـه الحسـنى فقط سادساً: معرفة كل من الزوجين نفسية صاحبه وهذه إحدى القضايا التي لا تجد من كثير من الأزواج عناية مع أن دوام العشرة، وهناءة العيش لا تحصل على أتم وجوهها إلا عندما يدرك كل منهما نفسية صاحبه ومزاجه، وما يحبه ويكرهه، وما يرضيه ويسخطه، وما يقبله، ويرفضه، وهذه الأمور لا يتحتم إدراكها بالسؤال، بل يعرفها الفَطِن الذّكي من الحال والمقال. وخير ما يستشهد به على هذا لبيان أثره على حياة الزوجين قصة شُريح القاضي، لما تزوج بامرأة من بني تميم، فيقول: لما دخلت عليها قمت أتوضأ، فتوضأت معي، وصليت فصلت معي، فلما انتهيت من الصلاة دعوت بأن تكون ناصية مباركة، وأن يعطيني الله من خيرها، ويكفيني شرّها، قال: فحَمِِدَت الله، وأثنت، ثم قالت: إنني امرأة غريبة عليك فماذا يعجبك فآتيه، وماذا تكره فأجتنبه، قال: فقلت: إني أحب كذا، وأكره كذا، فقالت: هل تحب أن يزورك أهلي. فقلت: إنني رجل قاضٍ، وأخاف أن أملَّهم، فقالت: من تحب أن يزورك من جيرانك، فأخبرتها بذلك. قال شريح: فجلست مع هذه المرأة في أرغد عيش وأهنئه حتى حال الحول، إذ دخلت البيت فإذا بعجوز تأمر وتنهى، فسألتُ: من هذه؟ فقالت: إنها أمي. فسألته الأم: كيف أنت وزوجتك؟ فقال لها: خير زوجة، فقالت: ما حوت البيوت شرّاً من المدللة، فإذا رابك منها ريب فعليك بالسوط. قال شريح: فكانت تأتينا مرة كل سنة، تنصح ابنتها، وتوصيها، ومكثتُ مع زوجتي عشرين عاماً، لم أغضب منها إلا مرة واحدة، وكنت لها ظالماً( ). لذا فمعرفة كل من الزوجين لنفسية صاحبه قضية لها أثرها في الحياة الزوجية، وتجاهل هذا الأمر له ما بعده. سابعاً: الأولاد من المعلوم أن من أعظم مقاصد النكاح لب الولد، والإنجاب، وهذا المقصد يتعلق به حقوق ومستلزمات، لها أثر في السعادة الزوجية. نعرض في هذه العجالة لطرف منها، ونبين الموقف الأمثل تُجاهها. والله المستعان. 1- الإنجاب: بعض الأزواج يطلب من زوجته التريث في الحمل باستعمال مانع له بعد الزواج مباشرة بحجة طلب المتعة، وهذا فيه ضرر بالغ على الزوجة، إذ من الثابت طبيّاً أن استعمال الحبوب المانعة للحمل من قبل امرأة لم يسبق لها الإنجاب قد يؤدي إلى عقم تحرم معه المرأة من الولد طيلة عمرها. ومن الزوجات من تفضل الانتظار سنة أو أكثر بدعوى التأكد من توافقها مع زوجها، وهذا تشاؤم بحدوث المكروه: احذر لسانك أن تقول فتبتلى إن البـلاء موكل بالمنطق وقسم من الزوجات ترفض الحمل؛ لأنه يعيقها عن مواصلة دراستها، مما يسبّب سآمةَ الزوج من رتابة حياته الزوجية معها، لخلوها من مولود يجدد سعادتهما، ويملأ عاطفة الأبوّة لديهما. وبعضهن تستمرئ هذا الرفض حتى بعد الدراسة بحجة العمل، وهي حجة عليلة خالية المضمون، قد تحدث الفرقة بين الزوجين كما حدثني بذلك أحدهم عن زوجته التي امتنعت عن الحمل بحجة الدراسة، وبعد إتمام الدراسة رفضت الإنجاب بحجة العمل، ويرى الآن أنه لا حلّ للمشكلة إلا بالطلاق، مع أن المسلم مطالب بكثرة الإنجاب – مع عدم الضرر – لأن الرسول صلى الله عليه وسلم، مكاثر بأمته الأمم يوم القيامة. ب- تربية الأولاد: غير خافٍ أن الناس يختلفون في طرائق التربية والتوجيه، وهكذا الحال مع الزوجين، فإنهما قد لا يتفقان على منهج واحد في التربية، بسبب اختلاف طبيعة الرجل عن المرأة. إلا أنه من المتفق عليه أن ثمة مجالات تختلف باختلاف سنّ الولد وطبيعته يكون رائد التربية فيها الأب، ومجالات أخرى يكون رائد التربية فيها الأم، فعلى كل من الزوجين احترام وتقدير مجال صاحبه، وعدم التعدي عليه فيه، مع التسليم بأن القِوامة للرجل، سُنّة الله التي قد حكم بين العباد، وهذا لا يعني – ألبتّة – أن يلجأ أحدهما إلى تخطئة الآخر أمام الأولاد، وتجريحه والنيل من كرامته، أو يختلف الأبوان في الأسلوب الأمثل لحل واقعة بين الأولاد بحضورهم، فإن ذلك يؤدي إلى جرح عميق في نفوسهم، يبقى أثره أبد الدهر، وأقل ما يحصل من ذلك عقوق الأولاد لأحدهما، واستهانتهم بالمهزوم منهما، ولعلكم تُدركون هذا جيداً حينما تسمعون أن امرأة لها أربعة أبناء، كل منهم يملك سيارة خاصة، إلا أنها مع ذلك تستعمل النقل الجماعي وأحياناً تستقدم سائقاً خاصّاً؛ لرفض أولادها خدمتها. ومن أسباب ذلك تصرف زوجها الذي كان يقوم بإهانتها أمام أولادها، حتى فقدت كل مقومات التأثير عليهم، فبدر منهم هذا العقوق لها. وإذا كان للزوج ملحوظة على زوجته بشأن تربية الأولاد، فلا يبدي هذه الملاحظة أمام الأولاد، ولكن إذا انفرد بها قال لها ما شاء، ومثل ذلك الزوجة من باب أَوْلى. ثامناً: حُسن العلاقة مع الآخرين ونعني بهم والديْ كلٍّ من الزوجين وأقاربهما، وكذا جيرانهما. فعلى كل من الزوجين أن يراعي حق صاحبه في والديه وأقاربه، وألا يذكر أحداً منهم بسوء، فإن ذلك يوغر الصدور، ويجلب النفرة بين الزوجين، وكم من زوج تحدث أمام حليلته بمثالب أبيها وسقطاته – وهو مَن هو في جلالة قدره عندها – فأحدث ذلك ألماً في قلبها أطفأ شمعة السعادة المضيئة في حياتها مع زوجها، وأشد من ذلك الحديث عن أمها. وإذا كان هذا في حق الزوج وله القوامة، فما بالك بحديث الزوجة عن والدي زوجها بسوء. ولسنا نلزم أحداً منهما بمحبة أقارب الآخر، فالقلوب بيد الرحمن، يصرفها كيف يشاء، ولكنا نُحتِّم عليه أن يحفظ لصاحبه مشاعره، وكرامته وعرضه. وأقارب كل من الزوجين يجب احترامهم وتقديرهم وعدم الإساءة إليهم. أما عن علاقة الزوجين بالجيران، فتختلف باختلاف الجيران، فينبغي عليهما تحديد إطار مسبق لعلاقتهما بهم. يتبع
|
|
|