قد أموت اليوم وقد أموت بعد سنوات

توفي بالأمس القريب
د. الفاتح عمر مهدي .. غفر الله له
أخصائي العيون وصاحب مستشفى شهير في أم درمان ..

كتب هذا المقال قبل موته :
مقال المرحوم دكتور الفاتح عمر مهدي..

لحظات من السعادة ما بين الحياة والمرض والموت ..
الإنسان كائن ضعيف قوي ..
تحت الظروف العادية..
نخاف المرض ونرتعش عند سماع الموت ونتصبب عرقاً لحظات اصابتنا بالحمى ..

بعض الأمراض يخشاها الناس .. ويصبح اسمها مرعباً ..
السرطان اسم يهابه الكثيرون .. والأطباء خاصة أكثر خوفاً منه !!
بل هم أكثر المرضى خوفاً..

الشهر الماضي كنت استمتع بالسباحة ..
والسير 2 كيلو يومياً وفجأة
تتبدل الحياة .... !!!

بعد نزلة برد عادية فقدت صوتي .. وبعدها فى مستشفى رويال كير كانت نظرات الأطباء تتحاشاني .. وأعرف سر النظرات ..
يقتلني القلق فى البداية ثم أدرك الأمر وأنا أرى أصغر أبنائي والذي تخرج من طب الخرطوم قبل شهور يجري باكياً..

أخبرت بالتشخيص في اليوم التالي ..
- سرطان بالرئة اليمنى ..
- انتشر إلى الغدة الكظرية فوق الكلية اليمين ..
- وانتشار آخر فى الرأس 5×5 ملم
......

هي لحظات كنت استمع شارداً ومركزاً.. مفكراً ومقهوراً..
محللاً وسائلاً ومستفسراً !!!

كانوا خمسة أطباء ..
منهم أصدقاء ومنهم معارف ..
سألت عن العلاج !! صمت

ثم تأتي إجابة من د.الفاتح المرض
سرطان بالرئة ..
المرحلة الأخيرة من الدرجة الثالثة
ﻻ يمكن إجراء عملية
وكنت أعرف الإجابة سلفاً..

سألت عن العلاج الكيميائي ..
( للحقيقة كنت أصر دائما على مرضاي أن يتعالجوا في السودان إذا توفر العﻻج ) ..
ولكن أحبطت عندما طلبوا مني السفر !!!


سبحان الله والحمد لله وﻻ إله اﻻ الله
أنظر إلى التحاليل والصور فأرى رجلا يحتضر !!

وأنظر إلى نفسي..
فلا ألم أو إرهاق أوفقدان وزن أوشهية !!

.. وليس هذا هو المهم فالمهم هو
هذا اليقين الذى يأتيك من حيث ﻻ تدري !!

تبدو الأشياء جلية واضحة وتراجع نفسك في شفافية..
تحضر نفسك للقاء ربك في أي لحظة وتصبح كل ثانية لها معنى ..
تسامح الجميع وتفكر إذا كان لك أعداء ..

اﻻبتسامة تبدو أكثر بياضاً وصفاءً والقلب مفتوح للجميع ..

ينتهي الخوف نهائياً وترى الدنيا من منظور آخر ..

كنت كل شئ تفعله تستمتع به وكأنك خالد أبدا..
ثم وفي نفس الوقت تحس أن كل هذا قد ينتهي في ثانية..

تدمع عيناك ﻻنك ترى حزن الأصدقاء
وتدمع وأنت تسمع دعاءهم ..
وتدمع عيناك وهم يحاولون مواساتك..

جميل أن ترى أناس كهوﻻء .. جميل أن تكون لك صداقات ..

جميل أن يكون الإنسان بهذا الصدق في الأحاسيس ..
جميل أن تعرف أن بعض أصدقائك ﻻ يود أن يحدثك لأنه ﻻ يحتمل ..


ولكن خلاصة الأمر أحس أني سعيد
سعيد لما يقدمه لي الغير ..
سعيد لأني أرى الأشياء الآن في وضوح وشفافية ..

وسعيد لأن ربي هيأني لألقاه في أحسن حلة ..
وسعيد لأني استمتع بكل لحظة أعيشها ..
......

قد أموت اليوم ..
وقد أموت بعد سنوات .. لذا أتلقى علاجي ..
واشتري ثياب العيد ..

كما أعمل الآن على إنهاء كتابة 3 كتب طبية عن العيون ..

سلام عليكم
لا تتقاطعوا
الدنيا قصيرة ما تستاهل خصام .. تصادقوا في محبة ..
واختلفوا في ود ..
وتكاتفوا ..

عيد سعيد
وأشوفكم بخير ..

د/الفاتح عمر مهدي

مقال رائع مليء بالايجابية والجمال ..
رحمك الله يادكتور وأسكنك وأمواتنا فسيح جناته ..