المجرمة البريئة

المجرمةُ البريئةّ .

المجرمةُ البريئة هذا هو اللقبُ الذي اوهبت ذاتي إياهَ منذ طفولتي .
أكتبهُ على دفاتري على كُراسة الرسم على أقلامي على حقيبتي وسريري وكل مكان .
أذكر أنني كُنت طفلةً أعيش بترفٍ كوني وحيدة والداي تذكرتَ !
إسمي ايضاً هو " ترف "
ليس من الغريب أن أنسى أسمي ولو أن أمي لا تناديني بهِ لنسيتهُ تماماً .
كُنت طفلةً جميلة بيضاء البشرة ذات شعرٍ يميل للون البني كان قصيراً وناعماً جداً .
الجميع يحملني ويحبني ومن هُنا جعلوني أغتر كوني جميلة .
دخلتُ للمدرسة ، كُنت في الصف الأول وكان أبي يعاني من السرطان .
لم أخبركم بأننا كنا فقراء جداً قد تمر علينا ليالٍ دون طعام ، كنت مغرورة كثيراً اريد الحقيبة التي لا ترتديها غيري في المدرسة كما أريد دفاتراً من نوع مختلف لا أريد أن أشبه أحداً بشيء .
كانت دائماً أمي تجلس بجانبي تسرد علي حالتنا المادية تخبرني بأننا لانملك النقود ولا نراها حتى ،
وعن الطعام فنحن نأكل ما يتبقى من طعام أهل الحي عن ألبستنا فنحن نلبسُ ما يملون الآخرون من لباسهُ كانت تلك الحالة ترضيني إلى أن دخلتُ الى المدرسة ورأيتُ الأطفال .
كُنت أطلبُ من أمي ما اشاء وحين تخبرني بأنه لا يوجد لدينا مال ابكي كثيراً حتى يستيقظ أبي وتغضب .
أمي كانت لا تريد أن تحزن والدي ولكن بكائي بصوتٍ عالٍ كهذا كان كفيل بأن يوقظ حتى الجيران ليس ابي فحسب .
استيقظ أبي المُستلقي بالسرير الشاحب
سأل أمي عن سبب بكائي حاولت أن تكذب ولكن لساني اللعين أخبرهُ بأني أريد مستلزمات للمدرسة لم يسبق إن رأيتها من قبل .
أخبر أمي بأنه بصحة جيدة ولا يحتاج للدواء ولتذهب بمال الدواء وتشري لي ما اريد .
لم أفهم عن أي دواء يتحدث فقد سررتُ كثيراً حينها ولم أكترثُ لشيء .
ذهبنا للمكتبة ، أشتريت جميع الأغراض حتى التي لا تلزمني .
قال لأمي بمبلغ الحساب ، لا أتذكره لأنه كان رقماً اضخم بكثير من الأرقام التي اعتدتُ أن أعدُ إليها .
لم نكن نملك حتى نصفُ المال .
تعاطف معنا صاحب المكتبة وقال لأمي تدفعين ماتبقى لاحقاً .
خجلت أمي ولكن سررتُ أنا .
رميت جسدي النحيل بحضن والدي وشكرتهُ كثيراً .
كنت أذهب للمدرسة بغرور وكل يوم أطلب من أمي شيئاً أغلى ، وأبي يزداد تعباً .
كل ما نملكه تذهب أمي وتعطيهُ لصاحب المكتبة دون علم أبي .
إلى أن عدتُ من المدرسة وأنا أركضُ بسعادة وأغني " ماما علمتني أغاني كتار كتار "
أستوقفني العدد الهائل من الأحذية صوت صراخ جدتي ، الرجال أمام منزلنا وفستان الحزن الذي ترتديه السماء .
ذهبتُ راكضة إلى أن دفنت وجهي بجسد خالتي فاطمة وبكيت ، لا أعلم لِما بكيت .
لا أتذكر إلا أنها مسحت على شعري وقالت يا حسرتي ذهب وترككِ يتيمة .
خالتي من ذهب ؟
لا أحد يا إبنتي أنتي لستِ جائعة .
أنا أريد أمي أين أمي ؟
وركضت لغرفة والدي عندما لم أجد الإجابة
كان السرير فارغ والغرفة باردة لا شيء سوى صوت المروحة القديمة وبكاء أمي .
أمي أين ذهب أبي ؟
أباكِ رحل إلى السماء يا أبنتي .
وهل الراحلون إلى السماء يعودون ؟
الراحلون إلى السماء يحبهم الله فيأخذهم .
يبدو أنكِ جعتي هيا لأطعمكِ .
حملتني امي وذهبنا إلى المطبخ .
واثناء سيرُها سمعتُ عمتي تقول : لو أننا كنا نملكُ المال لعرضناه على دكتور أفضل من هذا لو كنا نملك المال لجلبنا لهُ الدواء على الأقل عانيت المرض يا أخي ولم نستطع فعل شيء .
دواء ؟
هذا ماكان يتحدث عنهُ أبي تلك الليلة .
أي أني أنا من أخذتُ مال والدي !
أي أن والدي مات بسببي .
لو لم أشتري تلك الاشياء الثمينة لما رحل أبي .
أستغليت إنشغال أمي بتحضير الطعام وهربت ،
ذهبتُ لصاحب المكتبة .
عمي أحمد : اعطني مالي .
وسأعيد كل ما اشتريته في ذلك اليوم فقط اعطني المال لأجلب الدواء لوالدي .
إبنتي : لكنكِ طفلة كيف لكِ أن تشتري الدواء .
أنت فقط أعطني يا عمي .
لم يكن يشاء أن يكسرني برفضهُ ولكن قال لي أنا أذهب معكِ .
ذهبت إلى منزلنا خُلسة .
سرقتُ علبة دواء والدي وذهبنا .
اشترى لي الدواء وقال لي أعطيه لأبوك بيديه .
كُنت سعيدة كثيراً ورغم ذلك حزينة .
ذهبت إلى المنزل وعمي أحمد كان يتحدث مع أحد الرجال وبان الحزن على ملامحهُ لربما اخبره بسفر أبي إلى السماء ولكن لم يخبره بأنه سيعود ذهبتُ لغرفة أبي ونثرتُ حبات الدواء على السرير وانتظرت وانتظرت ونمت بحثت عني أمي كثيراً ولم تجدني فقتُ بذعر ولم أجد أبي أخبرت أمي لتساعدني ولكنها بكت كثيراً .
وبعد ذلك فهمتني بأن أبي لن يعود ،
وكررت على أذني تلك العبارة : اباكِ مات يا ترف أباكِ مات .
وكبُر الحقد بداخلي عليّ ، كنت أظن بأن أبي مات بسببي .
مضت ثلاث سنوات كانت اسوء السنين عليّ ،
أغلق باب غرفة أبي وابكي .
وفي كل يومِ أعتذر إليه وكأنه يسمعني ،
لربما أبي سيسامحني ولكني لن استطيع مسامحة نفسي ،
قررتُ أن أعاقب نفسي ، رميت بألعابي ، بدفاتري بالألوان وكل شيء .
وكنت أكبر ويكبر كرهي لنفسي ويكبر الكسر بداخلي كنت أردد دوماً انا مجرمة أنا مجرمة إلى أن تصورت بأني أشبهُ بالمجرمون الذين يعرضون في التلفاز وأستمريت بعقاب نفسي ثلاثة سنوات .
وبعدها بدأ جرحي بالإلتئام .
قررت أن أكمل دراستي ببساطة ، أكملتها وأنا أكره المدرسة الاصدقاء وكل شيء .
كنت كبيرة قليلاً ولكن درست ولم يؤثر بي حديث الناس .
لأن الذين يملكون هدفاً يسعون إليه بثقة .
إلى أن درستُ الطب لأنقذ كل من يعاني من السرطان وكأنه أبي .
حينها كنا نملك الكثير من المال وكنت قد كبرت كفاية لأيقن بأن المال لا يعيد الميتون وإن نثرتُ كل الأدوية على سرير أبي لن يعود وأني لا أملك سوى الدُعاء لأبي وعبادة ربي حتى ألتقي به في الجنة

قديماً كنا نود لو نمتلك فقط القليل من المال لنساعد به أبي ليشفى ، والآن نملك الكثير من المال ولكن ضوءٌ كان ينير لنا الحياة أنطفئ .
للآن ألقبُ نفسي بالبريئة المجرمة ، بل ألقبني بالمجرمة والبريئة هو إعتراض أمي نشأ هذا القب من حديثٌ كنتُ أقول به : المجرمة .
وترد والدتي : البريئة .
المجرمة .
البريئة .
المجرمة .
البريئة .

المجرمةّ البريئةّ .